في ساحة بلجيكا بالمدينة العتيقة للبيضاء، وتحديدا في ركن محاذ لابتدائية شيدت على أنقاض القنصلية الألمانية القديمة، يقع ضريح “لالة تاجة”. هناك، ترقد الراحلة تاجة مع أسرار محنتها التي حولتها من فاعلة خير، إلى عاهرة متهمة بممارسة الرذيلة مع أحد موظفي القنصلية الألمانية.
وعلى الرغم من أن معظم سكان الحي لا يعرفون شيئا عن قصة هذه الولية الغامضة، التي عاشت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فإن جدران مزارها تحمل تفاصيل نهاية مأساوية لبطلة رقيقة المشاعر، تطوانية الأصل، كرست نفسها للأعمال الاجتماعية لصالح الأطفال اليتامى والمتخلى عنهم، لكنها لقيت حتفها مظلومة ومذمومة.
هبة مالية “ملعونة”
يقول الباحث مصطفى أخميس، في كتابه “أسرار أضرحة البيضاء”، أن “لالة تاجة” عرفت بطيبتها وشجاعتها وحبها للعمل الإحساني، إذ كانت تعيل عددا كبيرا من الأطفال المساكين والمتخلى عنهم، ممن وجدوا في بيتها (المجاور لمقر القنصلية الألمانية) مأوى لهم، فكانت تقضي الساعات في مطبخها الصغير تعد لهم الوجبات الغذائية، معتمدة بشكل كبير على تبرعات بعض الصيادين من السمك، بحكم قربها من ميناء المدينة.
وتابع أخميس قائلا إن تضحية الشابة الجميلة العازبة استرعت انتباه القنصل الألماني، ودفعته للقيام بمبادرة إنسانية تجاهها، على شكل هبة مالية للمساعدة في رعاية الأطفال الذين أخذتهم تحت عهدتها، إلا أن التفاتته الطيبة سرعان ما تحولت إلى حدث درامي، خاصة بعد أن أصبح كاتبه يتردد على منزلها بين الفينة والأخرى لأغراض خيرية، إذ تناسلت الشائعات في صفوف سكان الحي المحافظين، وتم اتهامها بربط علاقة غرامية بكاتب القنصل، وبأن عملها الخيري ليس سوى غطاء لإخفاء حقيقة علاقتهما.
وهكذا إذن، انتشرت الشائعات المسيئة إلى سمعة “لالة تاجة” في الأرجاء كالنار في الهشيم، وأصبحت تتعرض للمضايقات من قبل رجال الحي، لدرجة أنهم في إحدى المرات هجموا على بيتها بالحجارة، وجردوها من لقب “لالة”، فيما قاطعوا كاتب القنصل الكلام وامتنعوا عن رد التحية عليه، كما منعوها من دخول مقبرة المسلمين بدعوى أنها أصبحت كافرة.
ممنوع الدفن مع المسلمين
تروي بعض الروايات الشعبية أن عشيق تاجة المزعوم، اقترح عليها الاستفادة من الحصانة الدبلوماسية واللجوء إلى القنصلية، بعد أن أصبحت مهددة بالقتل وعاجزة عن مغادرة بيتها، فوافقت مكرهة لتعيش آخر أيامها حزينة ومحاصرة في إحدى غرفها، وتصير الحماية التي وفرتها لها القنصلية آنذاك، دليلا على ما حيك عنها من إشاعات واتهامات.
ورغم موقف رجال الحي المعادي للراحلة، والذي جعلهم يرفضون السماح بدفنها في المقبرة الإسلامية، فإن تعاطف النساء معها واقتناعهم ببراءتها، دفعهن لإقناع القنصل الألماني بمواراة جثمانها في قطعة أرض تملكها المفوضية الألمانية، ليتم بذلك تشييد بناء متواضع فوق قبرها، لم يلبث أن تحول إلى مزار تقصده النساء من كل حدب وصوب، للتبرك وإنشاد قصيدة تتغنى بمناقب لالة تاجة “المرأة الخيرة المظلومة”، يتم ترديدها أيضا في الحفلات النسائية الخاصة والحمامات النسائية الشعبية.