كلما ابتسم ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، في اجتماع دولي أو لقاء تلفزيوني، ظن “كابرانات” الجزائر أن رياح الهزائم الدبلوماسية ستهب عليهم، وكلما أومأ برأسه اتجاه اليمين، كما يفعل عادة، اعتقد الإيرانيون وجود أدلة جديدة تورط “حزب الله”… أما إذا اختفى عن الظهور، فإن أركان النظام الجزائري ترتعد، تحسبا لافتتاح قنصليات جديدة في الأقاليم الجنوبية، أليس هو من يحمل لقب “مول المقص”؟
امتلك بوريطة موهبة المواجهة الدبلوماسية، أو كما يعبر عنها بنفسه ب”سياسة الند للند”. ربما اكتسب أبجدياتها من تاونات، حيث ولد، أو من هدوء الرباط، حيث تابع دراسته في العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس، قبل أن يلج وزارة الخارجية في 1992.
هادئ، ولو لفظت كل البراكين حممها… صامت، لكن عقله يشتغل، مثل آلة صاخبة تدرس الملفات وتحاول الاستيعاب… غامض، بالنسبة إلى خصومه، ومنفتح أمام أصدقائه، يجيد اللغات، ويلوذ، في مواجهاته، إلى القوانين، حتى أن مقربا منه صرح قائلا :” إنه يفضل المقاربة القانونية في جميع القضايا، ويستخدمها في مواجهة أعداء المغرب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحراء المغربية”.
يبدو مسار بوريطة المهني نموذجيا بالنسبة إلى أقرانه، وما يميزه عنهم، إتقانه فن الصعود، وتحسسه لخطاه، لحظة هبوب رياح تحاول التخفيف من سرعة تسلقه لهرم الوزارة، إذ بدأ مساره في مديرية التعاون، ثم التقى بالراحل عبد الرحيم بنموسى، وهو شخصية دبلوماسية تعتبرها أطر الوزارة “مدرسة في التكوين”، فعين بوريطة في 1995 سكرتيرا أول لسفارة المغرب في النمسا، تحت إشراف بنموسى السفير آنذاك.
توالت ترقيات بوريطة، بسبب قدرته على استيعاب التفاصيل، فعين مستشارا بالمديرية العامة للعلاقات والتعاون الدولي في 2000، ورئيس قسم الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، في 2002، ومستشارا لمهمة المغرب لدى المجموعة الأوربية ببروكسل، ثم رئيسا لقسم الأمم المتحدة بالوزارة في دجنبر 2003، ومدير ديوان الوزير الطيب الفاسي الفهري، وأمضى عدة سنوات في منصب الكاتب العام، ثم وزيرا منتدبا في 2016، ووزيرا للخارجية عاما بعد ذلك.
أصبح لقب بوريطة “مول المقص”، تعبيرا عن عدد القنصليات التي فتحت في الصحراء المغربية، وتوجيهه ضربات موجعة للانفصاليين والنظام الجزائري، ثم كشف عن موهبته في الأزمات مع ألمانيا وإسبانيا، وهو الآن “يقص جناح” الإيرانيين المتواطئين، لكن بهدوئه الدبلوماسي.
يحكي بعضهم أنه لا يتوقف عن العمل ولا ينام كثيرا، وآخرون يتحدثون عن حرص نادر في التدقيق في الملفات، لكن ما إن يظهر في التلفزيون أو في فيديو بمواقع التواصل الاجتماعي، حتى تشرئب أعناق المغاربة، منتظرين تصريحا أو قرارا يصيب الأنظمة المعادية للمغرب بالأرق.