أكدت وزارة الاقتصاد والمالية، أن تنفيذ قانون المالية ل2023 حتى متم نهاية يونيو، تم في سياق دولي ووطني صعب للغاية، فعلى المستوى الوطني، وفي الوقت الذي لم يتم فيه التعافي المطلق من تداعيات جائحة “كوفيد 19″، كان لتبعات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى الجفاف للسنة الثانية على التوالي، تأثيرات سلبية على آفاق نمو الاقتصاد الوطني. أما على مستوى السياق الدولي، ورغم انخفاض الأسعار العالمية للمواد الأساسية والتوجه التشديدي للسياسات النقدية، ظل تراجع الضغوطات التضخمية بطيئا مع البقاء في مستويات مرتفعة، بالموازاة مع تراجع معدلات النمو مقارنة ب2022.
ورغم هذا السياق، تواصل الحكومة مجهوداتها للتوفيق بين مواجهة الضغوطات التضخمية عبر التدابير الظرفية للتحكم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوفاء بالالتزامات الحكومية، من خلال تنزيل الإصلاحات الضرورية على المستوى الاجتماعي وتعبئة الموارد المائية وتحفيز الاستثمارات، كما عملت، من جهة أخرى، على العمل على ضمان استعادة الهوامش الميزانياتية.
تزايد إنتاج صناعة السيارات
وحسب مذكرة لوزارة الاقتصاد والمالية، حول “تنفيذ ميزانية 2023 وإعداد مشروع قانون المالية ل2024 والبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات 2024/2026″، فإنه بفعل الدينامية الإيجابية لبعض القطاعات غير الفلاحية، لم يتجاوز تحيين انخفاض نمو الاقتصاد الوطني ل2023، 0.6 نقطة، بعد أن سجل قطاع الصناعة تزايد الإنتاج في صناعة السيارات وصنع الأجهزة الكهربائية وصناعة منتجات معدنية، إذ بلغ معدل استخدام الطاقة الإنتاجية في نهاية ماي الماضي 72.8 في المائة (مقابل 71.4 في المائة في ماي 2022) ووصل مؤشر الإنتاج الصناعي 1.9 في المائة (سجل في ماي 2022 ناقص 2.3 في المائة)، في حين سجلت صادرات البضائع المصنعة زيادة ب6.1 في المائة.
أما بالنسبة إلى قطاع السياحة، فسجل تزايدا في عدد السياح الوافدين بنسبة 21 في المائة نهاية يونيو، مقارنة بنهاية يونيو 2019، وزيادة في عدد الليالي السياحية ب1.7 في المائة نهاية شهر ماي مقارنة بالفترة نفسها من 2019، في الوقت الذي عرف قطاع النقل ارتفاعا في الرواج الخاص بالمسافرين عبرالمطارات ب5.3 في المائة نهاية شهر ماي، مقارنة بالفترة نفسها من 2019.
انخفاض مبيعات الفوسفاط
بالمقابل، وحسب المذكرة التي توصل “آش نيوز” بنسخة منها، فإن القطاع المعدني سجل نموا سلبيا بفعل انخفاض رقم مبيعات المكتب الشريف للفوسفاط (ناقص 27.8 في المائة) خلال الفصل الأول من السنة الجارية نتيجة تراجع الطلب وسعر بيع جميع المنتوجات، ومثله قطاع البناء والأشغال العمومية، الذي عرف ارتفاعا في المعاملات العقارية بزائد 2.5 في المائة خلال الفصل الأول من السنة الجارية، مقابل انخفاض في القروض البنكية الممنوحة للمنعشين العقاريين خلال ماي. كما انخفض إنتاج الطاقة المحلية إثر تراجع إجمالي الإنتاج الصافي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ب9 في المائة.
وعرف التضخم، حسب الوثيقة نفسها، مسارا تنازليا تدريجيا بفضل التدابير الاستعجالية المواكبة لتشديد السياسة النقدية، إذ سجل تحول تدريجي للضغوط التضخمية التي كانت خارجية المصدر بالأساس، إلى ضغوط داخلية منذ بداية الفصل الثاني من 2022، لتشمل السلع المحلية، إلى جانب عاملي الجفاف والإجهاد المائي اللذين زادا حدة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الطرية.
صمود تمويلات الاستثمار
ومن المنتظر أن يتواصل التوجه التنازلي للتضخم، بالنظر إلى مجموعة من العوامل حددتها وزارة الاقتصاد والمالية في “انخفاض الأسعار الدولية للمواد الأولية وتلاشي توترات سلاسل الإمداد والتراجع الملحوظ لأسعار الشحن البحري” و”الاستيعاب الكلي للتأثيرات التراكمية للارتفاعات السابقة التي عرفها سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب”، إضافة إلى “تظافر الجهود لمواكبة التوجه التقييدي للسياسة النقدية، خاصة التدابير والإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها الحكومة من أجل التخفيف من تداعيات التضخم على الأسعار المحلية وتوفير المواد الأساسية بأثمنة تتماشى مع القدرة الشرائية للأسر وأنشطة بعض القطاعات”.
وأشارت الوثيقة ذاتها، إلى صمود التمويلات الموجهة للاستثمار رغم تشديد شروط منح القروض لفائدة المقاولات. فبعد المسار التنازلي لمعدلات الفائدة المدينة، عرفت هذه النسب ارتفاعا بواقع 79 نقطة أساس إجمالا خلال الفصل الرابع من 2022 والفصل الأول من 2023، إلى 5.03 في المائة، بعد رفع سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب خلال هذه الفترة بواقع 100 نقطة أساس، مما يعكس انتقالا جزئيا لقرارات السياسة النقدية. وقد شمل هذا التشديد القروض الممنوحة للمقاولات (زائد 94 نقطة أساس)، ما ساهم في انخفاض القروض الموجهة للشركات غير المالية الخاصة (ناقص 1.6 في المائة)، في حين لم تتزايد نسب فائدة القروض الممنوحة للأفراد سوى ب30 نقطة أساس، وهو ما ساعد على استمرار ارتفاع التمويلات الممنوحة للسكن (زائد 0.8 في المائة) والاستهلاك (زائد 0.7 في المائة).
ارتفاع معدل البطالة
من جهة أخرى، عرف الفصل الأول من 2022 والفصل الأول من 2023، فقدان 280 ألف منصب شغل، كما ارتفع معدل البطالة إلى 12.9 في المائة، ب0.8 نقطة على المستوى الوطني.
وتباطأ نمو التجارة الخارجية للسلع في ظل سياق دولي اتسم بتراجع النمو العالمي، خاصة في منطقة الأورو، الشريك الرئيسي للمغرب، وارتفاع مخاطر الركود، إذ تم تسجيل ارتفاع طفيف لعجز الميزان التجاري بنسبة 1.7 في المائة نتيجة ارتفاع الصادرات بنسبة 3.6 في المائة والواردات بنسبة 2.8 في المائة، مع استمرار دينامية تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بتسجيل زيادة قدرها 14.9 في المائة، وانتعاش قوي لعائدات السفر التي تجاوزت بشكل كبير مستوياتها المسجلة قبل كوفيد 19 (زائد 19.4 مليار درهم أو زائد 91.3 في المائة)، إضافة إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب بنسبة 11.9 في المائة وتسجيل مستوى جيد لاحتياطيات الصرف لدى بنك المغرب يسمح بتغطية حوالي 6 أشهر من الواردات، ثم استقرار سعر صرف الدرهم داخل نطاق التقلبات، (زائد 5 في المائة)، ما يعكس ثقة الفاعلين الاقتصاديين في صلابة الاقتصاد الوطني، حسب الوثيقة، التي سجلت أيضا، انخفاضا حادا في مبيعات الفوسفاط ومشتقاته (ناقص 34 في المائة) نتيجة انخفاض الأسعار (ناقص 27 في المائة)، وتعزيز الصادرات دون احتساب الفوسفاط ومشتقاته بنسبة 17.1 في المائة بفعل تأثير ارتفاع السعر بنسبة 10.6 في المائة وتأثير ارتفاع الحجم بنسبة 5.9 في المائة، وأداء جيدا للقطاعات التصديرية الأخرى، خاصة قطاع السيارات وقطاع النسيج والجلد وقطاع الإلكترونيات والكهرباء، وارتفاع الواردات بنسبة 2.8 في المائة نتيجة زيادة مشتريات سلع التجهيز والمنتجات الاستهلاكية الجاهزة والمنتجات الغذائية، إضافة إلى ارتفاع طفيف في العجز التجاري بنسبة 1.7 في المائة أو 1.9 مليار درهم وتحسن معدل تغطية الواردات للصادرات بمقدار 0.4 نقطة.
ارتفاع المداخيل الجبائية
أما بالنسبة إلى نتائج تنفيذ قانون المالية في نهاية يونيو الماضي، فقد أسفر تحصيل المداخيل الجارية عن نتائج إيجابية مقارنة سواء مع توقعات قانون المالية 2023 أو الفترة نفسها من 2022. إذ مقارنة مع توقعات قانون المالية، حققت المداخيل الجبائية نسبة إنجاز بلغت 53.6 في المائة، في حين سجلت المداخيل غير الجبائية نسبة إنجاز محصورة في 23.6 في المائة. ومقارنة مع نتائج الأسدس الأول من 2022، تم تسجيل ارتفاع المداخيل الجبائية بزائد 5.3 مليار درهم (زائد 4.1 في المائة)، نتيجة الضريبة على الدخل التي عرفت زيادة ب1.6 مليار درهم تعزى أساسا إلى ارتفاع الضريبة على الأجور، ونتيجة الضريبة على القيمة المضافة في الداخل (زائد 2 مليار درهم أساسا بفضل تحسن المبالغ المحصلة عن طريق الأداء التلقائي)، إضافة إلى رسوم التسجيل والتنبر (زائد 1.3 مليار درهم) وانخفاض طفيف لإيرادات الجمارك بحوالي 187 مليون درهم أو 0.4 في المائة نتيجة بالأساس للتدابير الضريبية المتخذة للتحكم في ارتفاع الأسعار، سواء على مستوى الضريبة على القيمة المضافة على الاستيراد (ناقص 1.0 مليار درهم) أو الضريبة الداخلية على الاستهلاك (زائد 45 مليون درهم) أو الرسوم الجمركية (زائد 771 مليون درهم).
ومقارنة مع توقعات قانون المالية، حققت النفقات الجارية نسبة إنجاز بلغت 50.9 في المائة، في حين بلغت نسبة إنجاز الإصدارات برسم الاستثمار 48.7 في المائة. أما مقارنة مع نتائج الأسدس الأول من 2022، فارتفعت النفقات الجارية بحوالي 1.2 مليار درهم نتيجة ارتفاع نفقات السلع والخدمات بمبلغ 4.8 مليار درهم وفوائد الدين بمبلغ 1.5 مليار درهم، في حين سجلت تحملات المقاصة تراجعا بحوالي 5.1 مليار درهم.
ارتفاع عجز الميزانية
ونتيجة لهذه التطورات، وأخذا بعين الاعتبار للفائض الذي سجلته الحسابات الخصوصية للخزينة (زائد 13.3 مليار درهم)، ارتفع عجز الميزانية بمبلغ 9.6 مليار درهم، ليبلغ 27.8 مليار درهم، وهو مستوى من العجز يمثل حوالي 42.3 في المائة من المستوى المتوقع برسم قانون المالية.
وخلصت الوثيقة إلى أنه رغم استمرار السياق الصعب والتقلبات الدولية، فإن الاقتصاد الوطني يحافظ على صموده بفضل السياسات المتبعة، ما يعزز ثقة المجتمع المالي الدولي التي تعتبر عاملا أساسيا في تعبئة التمويلات بتكلفة منخفضة وفي استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
انتعاش نمو الاقتصاد الوطني في 2024
وتوقعت وزارة الاقتصاد والمالية، أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني خلال 2024 انتعاشا بمعدل يناهز زائد 3.7 في المائة، عوض زائد 3.4 في المائة المرتقبة في 2023، رغم المناخ الدولي المضطرب جدا، إلا أن هذه التوقعات يمكن خفضها في حال استمرار تدهور آفاق الاقتصاد العالمي في 2024 ومراجعة توقعات النمو الخاصة بالاتحاد الأوربي بسبب تداعيات الصراع الروسي الأوكراني وأثرها على أسعار المواد الأولية وسلاسل الإنتاج والتوريد العالمية، بالموازاة مع تشديد في الأوضاع المالية وتأثير شديد للسياسة النقدية في سياق ارتفاع المديونية واستمرار التضخم وتراكم الديون السيادية الشاملة في الاقتصادات الناشئة والنامية.
وعلى المدى المتوسط، من المتوقع، حسب الوزارة، أن يقترب معدل النمو تدريجيا من مستواه المتاح في حدود 4 في المائة.