الجريمة التي ذهب ضحيتها بدر بولجواهل، بشعة وصادمة وقاسية بكل المقاييس، وينتظر الجميع أن يكون عقابها شديدا، من والدي الضحية وأهله وأصدقاءه المقربين، إلى جميع مكونات الرأي العام المغربي الذي شاهد فظاعة ما ارتكبه القاتل في حق الضحية، بعد أن أجهز عليه بضربة من قبضة “أمريكية” قاتلة، ثم دهسه بسيارته بكل برودة، وكأنه أقل من بعوضة، وليس روحا عزيزة عند خالقها.
لكن، هل العقاب بالإعدام مثلما يطالب البعض، أو بسنوات سجن مؤبدة، كاف لكي لا تتكرر مثل هذه الجرائم، أم علينا إعادة النظر في العديد من الأشياء لكي نبني شبابا سويا وجيلا صالحا لبناء هذا الوطن؟
ومهما كانت دوافع هذه الجريمة التي تحاط تفاصيلها بتعتيم وتكتم كبيرين بسبب سرية التحقيق، إلا أنها لا يمكن أن تبرر بشاعة الفعل المرتكب في حق الضحية الشاب بدر بولجواهل. ولا يمكن إلا تصنيفها في خانة “الضسارة” و”الفشوش الخاوي” و”قلة الترابي” لبعض أبناء الأغنياء الجدد، الذين يعلمون أبناءهم، منذ الصغر، أن بإمكانهم أن يقوموا بكل ما يحلو لهم ب”فلوس والديهم”، حتى ولو خرقوا القانون نفسه، لأنهم مستعدون أن “يفاصلوا” عليهم في كل الحالات، ويخرجونهم من أي مشكل مثل الشعرة من العجين.
زمان، كان الأغنياء يتوارثون ثرواتهم أبا عن سابع جد، ويربون أبناءهم على المشي إلى جانب الحائط وتجنب المشاكل حتى لا يورطوا أسماء عائلاتهم ذات “القاع والباع” في أي عيب أو فضيحة، كما كانوا يربونهم على احترام الآخر والتواضع والاختلاط بأبناء من هم أقل منهم جاها ومالا، ويحثونهم على أهمية العلم والعمل ليصنعوا لأنفسهم مستقبلا وكيانا مستقلا، يمكنهم من الحفاظ على ثروة العائلة، بل ومضاعفتها. أما أغنياء آخر الزمن، الذين كبروا في “الجوع والنوع” وكونوا ثرواتهم على حساب المقهورين، وبالسلب والنهب والنصب، وعلى “ظهر الملاسة”، فيعتقدون أن أموالهم كفيلة ب”تربية” الأبناء، وأن تعليمهم في المدارس الأمريكية وإلباسهم “الماركة” وشراء أحدث موديلات السيارات لهم، تغنيهم عن وجود الوالدين في حياتهم، وتعوض الدور الهام الذي عليهما أن يلعبانه. وطبعا لا تعميم في كلتا الحالتين. إذ لا بد من استثناءات هنا وهناك، لكنها لا تشكل القاعدة.
أشرف صديقي، القاتل الذي أودع السجن في انتظار استكمال التحقيق معه ومحاكمته إلى جانب المتورطين معه، مثله عديدون في مجتمعنا. نراهم ونصادفهم كل يوم، يمرون بسياراتهم بأقصى سرعة دون احترام لإشارات المرور، يخرقون القوانين دون خوف، يتنمرون على البسطاء ويحتقرونهم، يملؤون الحانات ال “in” والملاهي الليلية “الهاي كلاس” بضجيجهم وعراكاتهم وطاولاتهم المليئة بقناني الشامبانيا و”الماغنوم” والفودكا وسطور الكوكايين، يتزايدون في “الكباريهات” على “الغرامة وعلى من يدفع أكثر، يقتلون ويدهسون “عباد الله” مع سبق إصرار وترصد، في انتظار أن “تفكهم” أموال الوالد ونفوذه وعلاقاته، كي يخرجوا منها سالمين غانمين، ويكرروا الفعلة أكثر من مرة ويغتالون معها أحلام أكثر من ضحية.
صحيح أن القصاص يجب أن يكون قاسيا في حق القاتل. لكن قصاصا آخر يجب أن يطال والده ووالدته أيضا، لأنهما لم يحسنا تربيته وصنعا لنا وحشا آدميا يعتبر نفسه فوق القانون وفوق الإنسانية. القصاص يجب أن يطال أيضا كل من سولت له نفسه التدخل بأي شكل من الأشكال كي لا ينال الجاني عقابه، سواء في قضية بدر بولجواهل، أو في قضايا أخرى مماثلة مرت قبله مرور الكرام، يوم لم يكن هناك لا فيسبوك ولا إنستغرام يفضح أصحاب مثل هذه السلوكات.
لقد قام الأمن بدوره على أكمل وجه حين اعتقل القاتل في مدينة العيون، في طريقه نحو الفرار بفعلته، بعد أقل من 24 ساعة على ارتكاب جريمته. وكذلك فعلت النيابة العامة. وعلى القضاء، الذي توجد الكرة اليوم في ملعبه، أن يحقق العدالة في أقرب الآجال حتى تكون هذه العصابة عبرة لكل من سولت له نفسه خرق القانون معتقدا أن “البلاد مترعة” و”ما عندهاش مواليها”.
التعليقات 0