بيدوفيل أناسي، الذي يعتدي جنسيا على أطفال أبرياء في إطار جمعيته الرياضية، ليس حالة منفردة في مجتمعنا، بل يشبهه عدد كبير من المرضى الجنسيين الذين نكاد نتعايش معهم يوميا، في العمل وفي السوق والشاطئ والإدارات والمدارس والمنازل والبيوت والسجون، دون أن نفطن إلى حقيقتهم. ولولا الفيديو الذي تم تصويره خفية بكاميرا هاتف محمول، من طرف مصطافة على الشاطئ الذي كان يمارس فيه البيدوفيل سلوكه الجنسي الأرعن على الطفل الصغير، قبل أن ينتشر على منصات التواصل الاجتماعي، لما تم إلقاء القبض على هذا الوحش الآدمي، ولا فضح ممارساته التي تعود لسنوات خلت، إلى أن اعتادها الأطفال الصغار الذين “ينشطون” ضمن جمعيته، وأصبحت عادة بالنسبة إليهم، لا يفكرون ربما مجرد التفكير في الحديث عنها إلى أهلهم أو أقربائهم.
فضيحة “بيدوفيل أناسي” ليست أول الفضائح التي تخرج إلى الإعلام. كان قبلها الكثير من الفضائح الأخرى المشابهة والمقززة التي تم تسليط الضوء عليها وأثارت الجدل والجدال على “فيسبوك” ومواقع التواصل الاجتماعي، وطالب الغاضبون بتنفيذ أقصى العقوبات في حق الجناة وإعدامهم أمام الملأ حتى يكونوا عبرة لمن لا يعتبر، دون أن يحد ذلك من تناسل وتكاثر هذه الممارسات في أبشع صورها.
الذين يتحدثون عن اندحار أخلاقي في المجتمع مخطؤون. فهذه الممارسات كان العمل جاريا بها في الماضي، “حسي مسي”، ويطبع معها العديدون، في “المسيد”، حيث طالبو العلم الصغار كانوا تحت سلطة “الفقيه” الذي يهابه أولياء الأمور أنفسهم فما بالك بالتلاميذ، وفي بعض المهن التقليدية أيضا، حيث يمارس “لمعلم” جميع أنواع التسلط على المتعلمين، بما في ذلك التسلط الجنسي، دون أن يتجرأ أحد على فضح ممارساته. الفرق الوحيد بين الأمس واليوم، هو أن الهواتف الذكية والكاميرات الخفية ومواقع التواصل الاجتماعي لم تكن موجودة، وبالتالي، فإمكانية كشف هذه الممارسات كانت مستبعدة جدا، إلا في ما ندر. وحتى إذا تم كشفها، فالتستر عليها والتكتم حولها كان واجبا “شرعيا”.
الذين يتحدثون عن الإعدام والسجن المؤبد والشنق والحرق والتنكيل في حق مثل هؤلاء الذئاب البشرية، مخطؤون أيضا. فتطبيق أقسى أنواع العقوبات لن يمنع من تكرار هذه الأفعال. فالأمر يتعلق بمرضى جنسيين، يقومون بفعلتهم وفق مبدأ “الهوا ما يشاور”، وقد يندمون على ذلك مباشرة، لأنهم يعلمون أنهم يقترفون جريمة بشعة في حق طفل لا حول له ولا قوة، وقد يقتلون الضحية في بعض الحالات خوفا من انكشاف سرهم متوهمين أنهم دفنوا معه فعلتهم، وأحيانا ينتحرون أو يقتلون أنفسهم للتخلص نهائيا من هذه اللعنة التي تلاحقهم وتنغص عليهم عيشهم.
أغلب هؤلاء المرضى الجنسيين لا يستطيعون اللجوء إلى طبيب نفسي أو جنسي، خوفا من الأحكام الجاهزة، ويفضلون أن يحتفظوا بسرهم دفينا لأن المجتمع لن يرحمهم ولن يتسامح مع ميولاتهم. ومثلهم ضحايا هذه السلوكات الجنسية المنحرفة، الذين يتحفظون عن البوح خوفا من أن يلحقهم العار، وحتى إذا باحوا لأقرب المقربين أحيانا، فهم إما لن يصدقوهم، أو سيفضلون التستر خوفا، مرة أخرى، من الفضيحة، خاصة إذا كان الفاعل من المحارم.
ولكي نحارب مثل هذه الأفعال والسلوكات، يجب أن نحمل أنفسنا المسؤولية أفرادا ومجتمعا ومؤسسات ونكون قادرين على رؤية وجوهنا في المرآة رغم بشاعتها، لا أن نكتفي بإلقاء اللوم فقط على “بيدوفيل أناسي” أو غيره من المنحرفين الجنسيين والمغتصبين والمجرمين. المسؤولية ملقاة أيضا على الأسر التي تتناسل دون تفكير ولا قدرة على تربية أبناءها وتحمل مسؤوليتهم، وتلقي بهم لقمة سائغة لأول عابر، دون أن تتقصى حوله، لأن همها وهاجسها الأوحد التخلص من “صداع” الصغار وطلباتهم و”شطونهم”. المسؤولية تتحملها المنظومة التعليمية التي لا تمنح الأهمية اللازمة للتربية الجنسية، ويتحملها دعاة الظلام المفتونون بالجنس، والذين يعتبرون أي حديث عنه من “الطابوهات” والأمور اللا أخلاقية، كما يتحملها المجتمع المستعد دائما لإصدار أحكامه الجاهزة والقاسية، رغم أنه أصلا منخور بالأمراض والنفاق والسكيزوفرينيا.