بعد أشهر من الجفاء الديبلوماسي بين فرنسا والمغرب، عين الملك محمد السادس، أمس الخميس 19 أكتوبر 2023، سميرة سيطايل، سفيرة جديدة للرباط في باريس، منهيا بذلك سياسة الكرسي الفارغ التي شغرت هذا المنصب منذ فبراير الماضي، ومعلنا رغبة المملكة في رأب الصدع الديبلوماسي بين البلدين.
ويأتي تعيين سيطايل في وقت توالت فيه مؤشرات التوتر خلال الأيام القليلة الماضية، وأبرزها رفض السلطات المغربية للمساعدات الفرنسية الموجهة لضحايا زلزال الثامن من شتنبر الماضي، وتجميد زيارات مسؤولي البلدين، وغياب أي اتصال بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي، ما يعكس حجم العناية التي تم بموجبها انتقاء السفيرة الجديدة، الصحافية الملقبة بالمرأة الحديدية، فمن تكون؟
طفولة صعبة
ولدت سميرة سيطايل في 16 ماي 1964 ببلدية بور لا رين في الضواحي الجنوبية لباريس، وكانت الأصغر بين تسعة أطفال، حرص والدهم، الذي كان أحد المهاجرين المجندين للاشتغال في مجال البناء خلال فترة إعادة الإعمار بفرنسا، على غرس قيم العمل والوطنية والتسامح والأسرة فيهم.
وفي حوار لها مع مجلة جون أفريك، تحدثت سميرة سيطايل عن والدها بحرقة وهي تمسح دموعها بظهر يدها وتلتقط سيجارة باليد الأخرى، وقالت: كان خبر وفاته في صيف 2015 السبب وراء عودتي للتدخين بعدما توقفت عنه لمدة أربعة أشهر.. كنت حينها بفلوريدا، على بعد 10000 كيلومتر من عائلتي، ولم أتمكن من العثور على رحلة طيران، فكدت أصاب بالجنون.
بداية الشغف
في بداية مسارها المهني بباريس، اشتغلت سميرة سيطايل كجليسة أطفال لدى الصحافي هوبرت ماختو، المستشار السابق للمسؤول الحكومي الفرنسي رايمون باغ، وكانت تزاوج بين عملها ودراستها بجامعة باريس ديدرو ومعهد اللغات والحضارات الشرقية (إنالكو)، ثم بالمدرسة العليا للإخراج السمعي البصري، حيث حازت على شهادة ماستر في مهن التواصل.
كان اشتغالها كمربية أطفال لدى الصحافي هوبرت ماختو، نقطة تحول في مسارها الدراسي والمهني، اكتشفت خلالها شغفها بمهنة المتاعب، وشرعت في الخضوع لدورات تدريبية بقنوات فرنسية من بينها TF1 و Canal+ و Antenne 2، إلى أن حصلت على وظيفة لدى قناة RTM بالمغرب، حيث اشتغلت كمقدمة للأخبار الفرنسية، ثم انضمت إلى فريق القناة الثانية، واشتهرت ببرنامجها الحواري Pour tout vous dire، الذي استضافت فيه شخصيات بارزة كنيلسون مانديلا.
ترقية بطعم الأزمات
في 2001، تولت الإعلامية الفرنسية من أصل مغربي، منصب مديرة الأخبار بدوزيم (2008-2001)، ثم المديرة العامة المساعدة المكلفة بالأخبار (2020-2008)، وساهمت بشكل كبير في تطوير الإستراتيجية التحريرية للقناة، رغم الأزمات العديدة التي صادفتها عند ترقيتها، بفعل إضراب بعض الصحفيين وتعرضها لحملات انتقاد وتشهير، سرعان ما تمكنت من تجاوزها بفعل خبرتها وشخصيتها القيادية القوية.
وبعد أزيد من 30 سنة من الاشتغال كمديرة للأخبار، أعلنت القناة الثانية في مطلع 2020، بصفة رسمية، عن مغادرة سميرة سيطايل لمنصبها.
كوب 22
شغلت سيطايل، أيضا، منصب رئيسة قطب التواصل و الصحافة في مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22)، الذي انعقد في نونبر 2016 بمراكش، وحرصت على ضمان أقصى قدر من البروز الإعلامي للحدث، من خلال استقدام أزيد من 1500 صحفي لتغطيته من جميع أنحاء العالم. كما تعتبر عضوة نشيطة في عدد من الجمعيات التي تعمل في المجال الاجتماعي و الإعلامي.
عدوة الإسلاميين
اشتهرت سميرة سيطايل بمواقفها السياسية المثيرة للجدل وعدائها للتيار الإسلامي بالمغرب، الذي حملته المسؤولية المعنوية لأحداث 16 ماي 2003 الإرهابية بالدار البيضاء، إضافة إلى دخولها في مواجهة مباشرة مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي قارنته بالقذافي أو فيدل كاسترو، ووزيره في الاتصال وزميله في الحزب، مصطفى الخلفي، في قضية ما عرِف بـ”دفاتر تحملات القطب العمومي”، حيث عبرت عن رفضها الشديد لمقتضيات هذه الدفاتر، معتبرة إياها نية مبيتة لقتل القناة الثانية.
عودة قوية
بعد تواريها عن الأنظار لسنوات، عادت سميرة سيطايل إلى الأضواء حينما حلت ضيفة على برنامج “un space” على صفحة “Tarik-Talk” عبر منصة إكس، على خلفية الزلزال الذي ضرب المملكة ليلة 8 شتنبر 2023، وردت بقوة على المغالطات التي نشرتها وسائل الإعلام الفرنسية، والتي ادعت أن المغرب رفض المساعدات الفرنسية، معتبرة إياها سعيا إلى زعزعة واستقرار المغرب، وتجييش المواطنين المغاربة ودفعهم إلى الثورة ضد الحكومة المغربية، ومؤكدة أن هذا الأمر غير صحيح وغير مقبول نهائيا.
التعليقات 0