رسم أنيس حجام، الصحافي والمنشط التلفزيوني السابق على قناة دوزيم، بورتري شيق عن أيقونة الفكاهة الراحل عبد الرؤوف، تضمن معطيات مثيرة عن حياته، ونشر في العدد السابق من “لوبينيون ماغازين”.
اعتبر حجام أن رائد الفكاهة المغربية، عبد الرحيم التونسي، المعروف باسم “عبد الرؤوف”، صاحب الإطلالة المتفردة بالجابادور والسروال الملون وطربوش الشاشية، عالج من خلال أعماله عدة مواضيع اجتماعية وسياسية جادة في قالب كوميدي، بسيط الفهم وعميق المعنى، يمتع الصغار كما الكبار، على اختلاف مستويات استيعابهم وذكائهم.
وكتب حجام في مقاله، “منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، حينما انضم التونسي، في سن صغيرة، إلى الحركة المعارضة للحماية، حافظ الراحل على أسلوبه الفريد، رغم اعتقاله لمدة سنة في سجون المستعمر. هذه التجربة المريرة التي خاضها، ساهمت، بشكل أو بآخر، في صقل موهبته الساخرة، وتحويل معاناته إلى مصدر إلهام لنصوصه الكوميدية، إذ انضم حينها إلى مجموعة من الممثلين داخل السجن، وشرعوا في إعداد وتقديم السكيتشات المستوحاة من الظرفية ومما كانوا يعايشونه في عهد الحماية، وكان الهدف منها مزدوجا، تجزية الوقت داخل “السيلول” من جهة، وإزعاج المستعمر من جهة أخرى.
وأضاف حجام متحدثا عن طفولة الراحل “ولد عبد الرؤوف في 1936 لأب تونسي بزقاق أسنو في المدينة القديمة للبيضاء، وهو آخر العنقود لأسرة مكونة من أربعة أولاد، وأكثرهم إثارة للشغب، ما دفع أهله إلى إرساله، وهو لا يزال في الرابعة من عمره، ليعيش مع خالته المتزوجة من جزائري. بعد سنتين من ذلك، حملت والدته ميلودة مرة أخرى، بفتاة، لكنها، عند الولادة، أسلمت الروح إلى بارئها هي والمولودة، ليذوق مرارة فقدان الأم صغيرا. بعدها سيقوم والده بتسجيله في “مسيد” ثم في مدرسة ابتدائية، سرعان ما توقف عن الذهاب إليها بسبب موقفه من أستاذة سمعها تهين المغاربة، ليعيده والده إلى الدراسة بعدها، ويكتشف حبه للغة الفرنسية”.
وجاء في المقال، نقلا عن حوار كان أجراه الراحل ونشر على صفحات مجلة “كلان دوي” في 2017: “كانت وظيفتي الأولى عاملا للتوصيل. ثم عملت محافظا لتحديد أرقام القبور في مقبرة الشهداء. لم يكن لي الحق في التغيب. كان يجب أن أكون هناك في جميع الأوقات، تحسبا لأي دفن قد يقع. لم أكن متزوجا حينها، لكنني تعرفت على خديجة، زوجتي، حينذاك. كنا ننتمي إلى نفس الحزب ولدينا بالتالي نفس القناعات. كذبت على مدير المقبرة وأخبرته أنني متزوج لكي أحصل على سكن مجاني”.
ويضيف حجام في مقاله “لتأمين مستقبله وتخصيص وقت لممارسة هوايتيه المفضلتين، المسرح والكوميديا، انضم التونسي في أوائل الستينيات، إلى شركة السيارات “سوماكا”، إذ كان يتقاضى 500 درهم، ليتركها بعد اضطراره إلى تأسيس شركة إنتاج لفرقتيه، من أجل تقديم العروض في جميع أنحاء المغرب”.
وعن بداية مساره الفني واكتشاف شخصية عبد الرؤوف، يحكي الراحل “في المدرسة، كان لدي صديق قام بالكثير من الأشياء الغبية دون أن يعرف ذلك، وبشكل غير مباشر، صار مصدر إلهامي.. حينما كنت أعمل في المقبرة، طلب مني بعض الأصدقاء مرافقتهم في عرض مسرحي لهم، فقبلت شريطة أن أعود في نفس المساء إلى عملي، وعند العودة تركوا حقيبة أزياءهم في سيارتي، ففتحتها بعد شهور قليلة وجربت الملابس التي بداخلها.. نظرت حينها إلى نفسي في انعكاس نافذة السيارة، وبدأت أحاول تقليد شخص ارتأيت أنه مناسب للزي الذي جربته، بصوت هزلي مناسب، وحينها رأت شخصية عبد الرؤوف النور”.
وعرف المسار الفني لعبد الرؤوف دفعة قوية، حينما حضر محمد بلقاس، صديق عبد الجبار الوزير، أحد عروض عبد الرؤوف ورفيقيه على المسرح، وأعجب بفرقته، فعرض عليهم المرور على القناة التلفزيونية الوحيدة في البلاد في ذلك الوقت، ليحظى بدعم الأمير مولاي عبد الله، ويقرر تأسيس شركة الإنتاج الخاصة به في 1971 للتمكن، هو وفرقته، من تقديم العروض في جميع أنحاء المغرب، حسب المقال.