وجه الملك محمد السادس، رسالة إلى شيخ نيانغ، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، اعتبر فيها أن تخليد هذا اليوم، خلال السنة الجارية يأتي في سياق تعرف فيه منطقة الشرق الأوسط عموما، والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل خاص، منذ السابع من أكتوبر 2023، أوضاعا خطيرة وغير مسبوقة، بسبب التصعيد المحموم والمواجهات المسلحة واسعة النطاق التي راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، أغلبهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى الدمار الهائل في المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والبنية التحتية، والحصار الشامل على غزة، في خرق سافر للقوانين الدولية والقيم الإنسانية.
كارثة إنسانية
وقال الملك محمد السادس، في الرسالة الملكية نفسها، إن إسرائيل استمرت في قصف عشوائي عنيف بالتزامن مع توغل قواتها البرية في القطاع، خلف نزوح أزيد من مليون ونصف فلسطيني ومزيدا من القتل والتدمير، رغم ارتفاع الدعوات بضرورة خفض التصعيد والتهدئة، وإتاحة الفرصة لإدخال الأدوية والمساعدات الإغاثية الأخرى، مضيفا أن تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، والتمادي في استهداف المدنيين، يسائل ضمير المجتمع الدولي، وخاصة القوى الفاعلة، ومجلس الأمن، باعتباره الآلية الأممية المسؤولة عن حفظ الأمن والاستقرار والسلام في العالم، للخروج من حالة الانقسام، والتحدث بصوت واحد من أجل اتخاذ قرار حاسم ملزم بفرض الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار، واحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
أولويات ملحة
وأوضح الملك محمد السادس أن القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية التي انعقدت في السعودية بتاريخ 11 نونبر 2023، حددت أربع أولويات ملحة لوقف قتل النفس البشرية التي كرمها الله، وهي الأولويات التي يشدد عليها جلالته اليوم مرة أخرى. ويتعلق الأمر، حسب الرسالة الملكية، بالخفض العاجل والملموس للتصعيد وحقن الدماء ووقف الاعتداءات العسكرية بما يفضي إلى وقف إطلاق النار بشكل دائم وقابل للمراقبة، وضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إضافة إلى السماح بإيصال المساعدات الإنسانية بانسيابية وبكميات كافية لسكان غزة وإرساء أفق سياسي كفيل بإنعاش حل الدولتين.
مفتاح السلام
واعتبر الملك محمد السادس أن التصعيد الأخير، هو نتيجة حتمية لانسداد الأفق السياسي للقضية الفلسطينية، التي ستبقى مفتاح السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة، ونتاج تنامي الممارسات الإسرائيلية المتطرفة والممنهجة، والإجراءات الأحادية والاستفزازات المتكررة في القدس، التي تقوض جهود التهدئة وتنسف المبادرات الدولية الرامية لوقف مظاهر التوتر والاحتقان ودوامة العنف المميتة، مؤكدا أن حل هذه القضية وفق قرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، وعلى أساس حل الدولتين، هو السبيل الكفيل بإقرار السلام العادل والشامل وتوفير الأمن والعيش الكريم لكل شعوب المنطقة.
مساعدات إنسانية
وأكد الملك محمد السادس، رفضه وإدانته لكل التجاوزات وسياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري ومحاولة فرض واقع جديد، مشددا على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية ومن الدولة الفلسطينية الموحدة، وعلى ضرورة تمكين الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة من المساعدات الإغاثية التي يجب أن تصل إليهم بشكل آمن وكاف ومستدام وبدون عوائق.
وأشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب قام بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة لسكان القطاع، إسهاما من المملكة في جهود الإغاثة والعون التي يبادر بها المجتمع الدولي، وانطلاقا من مبدأ التضامن الذي يطبع سياستها الخارجية، إذ جرى تأمين إيصالها إلى المتضررين عبر معبر رفح، كما تم توزيع كميات مهمة من المساعدات الغذائية والمستلزمات الطبية في مدينة القدس الشريف.
حل الدولتين
وعبر الملك محمد السادس، في رسالته نفسها، عن أمله في تضافر جهود المجتمع الدولي لإحياء عملية السلام، رغم قتامة الوضع وغياب آفاق التسوية في الشرق الأوسط، “فرؤيتنا اليوم، وكما كانت دائما، تعتبر السلام خيارا إستراتيجيا لشعوب المنطقة، وهو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوبها وحمايتها من دوامة العنف والحروب. وهذا السلام الذي ننشده، مفتاحه حل الدولتين باعتباره الحل الواقعي الذي يتوافق عليه المجتمع الدولي، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المسار التفاوضي”، حسب الرسالة الملكية.
وأكد الملك محمد السادس موقف المغرب الراسخ بخصوص عدالة القضية الفلسطينية ودعمه للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مجددا، بصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، التأكيد على ضرورة الحفاظ على الطابع الفريد لمدينة القدس، وعلى عدم المس بوضعها القانوني والحضاري والتاريخي والديمغرافي، باعتبارها مركزا روحيا للتعايش والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث.
التعليقات 0