منذ عين محمد امهيدية واليا لجهة الدار البيضاء سطات وعاملا على عمالة الدار البيضاء، والحملات الشرسة لتحرير الملك العمومي بالعاصمة الاقتصادية جارية على قدم وساق، إلى درجة أن منظر “الطراكسات” أصبح مألوفا عند البيضاويين، في الوقت الذي أصبح حال بعض الأحياء شبيها بحال غزة المقصوفة.
وفي الواقع، لا يمكن لأحد أن يزايد على الوالي الجديد، الذي له شعبية كبيرة لدى “كازاوا”، لأن الرجل يطبق القانون فقط ويرغب في محاربة الفساد والفوضى والعشوائية، ويحاول أن يظهر “حنة يديه”، التي عرفت عنه حين مر على طنجة أو الرباط أو مراكش أو غيرها من الجهات التي ولّي عليها. لكن الأسئلة المطروحة بحدة هو لماذا اختار محمد امهيدية أحياء فقيرة ومهمشة مثل سيدي مومن ومولاي رشيد والحي الحسني و”القريعة”؟ لماذا “أحزمة البؤس” فقط؟ ولماذا لم تتحرك الحملات نحو مناطق مثل آنفا وشوارع “المثلث الذهبي”، حيث السطو على الملك العمومي يفقأ عين المارة من أمام المقاهي والمطاعم “الهاي كلاس”؟ أم أن “أباطرة” المدينة الغول لا يجرؤ أحد على المس بمصالحهم، خوفا من عضة “الرزوزي”، التي كانت سببا في نهاية ولاية ادريس بنهيمة على جهة الدار البيضاء الكبرى، الذي لم يستمر في منصبه إلا سنة وبضعة أشهر، قبل أن “يطير” منه؟
ويبدو أن محمد امهيدية ينطبق عليه المثل المغربي الدارج “حكرت عليك يا خالتي وشبعت فيك تصرفيق”. فالوالي الجديد استهدف بحملاته “صحاب الكروصة”، الذين ليس لديهم أي مورد رزق آخر يعيلون به أسرهم وأطفالهم، وأصبحت بالنسبة إليهم من الحقوق المكتسبة، لأن الدولة سمحت لهم ب”الفراشة” منذ سنوات طويلة، دون أن تجد لهم بديلا. وهذه في حد ذاتها قمة الظلم الذي مورس عليهم، قبل أن يمارس عليهم السيد الوالي “الحكرة”، في الوقت الذي “يبردع” اللوبي الكبير في “الجرادي” والأرصفة، دون حسيب ولا رقيب. أليس هذا نوعا من أنواع “الحكرة”، في الوقت الذي تعمل أعلى سلطة في البلد على التأسيس للدولة الاجتماعية، التي تراعي العدالة الاجتماعية في قراراتها وممارساتها؟
ألم يفكر السيد الوالي في ماذا يمكن أن ينتج عن هذه الحملات التي تقودها السلطات في البيضاء بعد أن حرم الفقراء “المحكورين” من “طرف الخبز”؟ ماذا سيعملون؟ كيف سيعيشون؟ من أين سيدبرون قوت يومهم؟ علما أن من بينهم عديدون كانوا سجناء سابقين، “عفا عليهم الله”؟ كيف سيندمجون؟ ألن يفكروا في العودة إلى السرقة و”الكريساج” والعنف؟ أليس من المرتقب أن ترتفع نسبة الجريمة في الشهور المقبلة في هذه المدينة التي أصبح يخاف سكانها من ظلهم أن يسرقهم؟
ألا يعرف السيد الوالي المحترم، أن “الفراشة” موجودون حتى في البلدان التي قطعت أشواطا في درب التقدم، لكنهم مؤطرون بتوقيت عمل معين وبشروط نظافة وترتيب ونظام معين، لأن الدولة حريصة على الحفاظ على معيشة مواطنيها وقوتهم؟ ألا يرى أن التوقيت غير مناسب تماما لمثل هذه الحملات في الوقت الذي يعاني الشعب غلاء الأسعار وأزمة اقتصادية خانقة؟ وفي الوقت الذي يخرج المعلمون والأساتذة في إضرابات من أجل تحسين أجورهم؟ هل نحن في حاجة إلى وقفات واحتجاجات جديدة؟ ألم يكن سبب ثورة الياسمين تونسي فقير أحس ب”الحكرة” فانتفض وانتفض معه الشعب إلى أن وصلت جارتنا الخضراء إلى الوضع السوداوي الذي هي عليه اليوم؟
لا شك في أن محمد امهيدية رجل صارم يحب العمل الميداني ولا يعشق النوم على كرسيه الوثير ويعقد عليه البيضاويون آمالا كبيرة، لكن رجل الدولة المحنك هو الذي يرسم خارطة طريق لتنزيل الحلول والإتيان بالبدائل، وهو الذي يراعي المقاربة الظرفية والزمنية، ويعمل على رفع البؤس والفقر عن “المزلوطين”، لا أن يدخل ب”التهراس” والدمار واستعراض العضلات على فئة دون غيرها. وإلا فهذا ما يطلق عليه المغاربة عبارة “الحكامة وقلة ليقامة”.
كازا عصب الاقتصاد الوطني وقاطرة تجر وراءها باقي مدن المغرب. وهي تختلف عن طنجة سواء في مشاكلها أو في عقلية أهلها وطريقة تفكيرهم، وبالتالي يجب أن تكون مقاربة التدبير مختلفة، فيها الكثير من الإبداع، ومن الحكمة خصوصا.