ورزازات مدينة ميتة. هذا هو ما يمكن أن يشعر به أي زائر لها في هذا التوقيت من السنة، حيث لا طائر يطير ولا وحش يسير، وحيث يستأسد الصمت والوحشة و”القنط” والكآبة، وكأنها مدينة خارج الزمن، خارج الواقع، لا تنتمي إلى الحاضر.
رحلة متعبة
الرحلة إلى المدينة متعبة، حتى عبر الطائرة التي تقلع بك أصلا في توقيت متأخر من الليل، لتصل بك، بعد حوالي ساعتين من الطيران، إلى مطار ورزازات، في الساعات الأولى من اليوم الموالي. وما تكاد تنتهي من الإجراءات وتتسلم حقيبتك وتستقل السيارة أو الطاكسي الذي سيقلك إلى وجهتك، حتى تجد نفسك وقد وصلت فندقك حوالي الواحدة والنصف صباحا، وأنت متعب ومنهك وجائع. وطبعا لا يمكنك أن تجد محلا مفتوحا أو أكلة طيبة في الفندق الذي أطفأ أنواره وأغلق جميع فضاءاته، فتضطر إلى أن تبيت ليلتك ومصارينك تتأوه وفرائصك ترتعد، بردا، وليس خوفا.
مؤهلات متفردة
وحتى ترف الاختيار بين الفنادق الموجودة في ورزازات، غير متاح بتاتا. فجلها، إن لم يكن كلها، مغلق، أو يعاد ترميمه منذ سنوات، أمام أنظار الزبائن، بكل ما يعنيه ذلك من ضوضاء وفوضى و”غبرة” وإزعاج، وغياب جميع ظروف الراحة والاستجمام التي يحتاجها أي زائر لهذه المدينة التي حباها الله بمؤهلات طبيعية متفردة، تحتاج فقط إلى المسؤولين المناسبين، في الأماكن المناسبة، ليتم تثمينها وتأهيلها واستغلالها كما يجب، من أجل الترويج لهذه المنطقة الفقيرة، التي يعيش أهلها الطيبون، على الكفاف والعفاف والغنى عن الناس.
إشعاع مفقود
سنوات طويلة مرت على أول زيارة لورزازات، قبل حوالي 16 سنة، ولا زالت المدينة، على حالها، بل “أكفس”، خاصة بعد سنوات الجائحة التي قضت على كل أثر للسياحة فيها، رغم أنها “هوليوود المغرب”، التي كانت قبلة للإنتاجات السينمائية العالمية، من “لورانس العرب” إلى الجزء الثاني من الفيلم الأسطوري “غلادياتور”، قبل أن يتراجع إشعاعها اليوم، في ظل منافسة شرسة من وجهات أخرى في الأردن ومالطا وتونس، أصبحت شركات الإنتاج الأجنبية تقصدها، لأنها توفر لها جميع إمكانيات وظروف الاشتغال الجيدة والممتعة على جميع المستويات.
مطاعم مغلقة
يصعب عليك في ورزازات أن تستمتع بوجبة غذاء جيدة في مطعم محترم. فمطاعمها المعروفة، ويتعلق الأمر بمطعمين أو ثلاث فقط، مغلقة في الساعة الثانية بعد الزوال، ولا أحد يمكن أن يعرف إن كانت ستفتح بعد ذلك أو أنها ستظل مغلقة ليوم أو يومين أو إلى الأبد، وما عليك سوى أن تقصد مطعما شعبيا شهيرا وسط المدينة لإطفاء نار جوعك. ورغم أن الدجاج الذي يقدمه لذيذ، إلا أنك تأكل وأنت تقول في نفسك “الرحيم الله”، خاصة وأن المناظر المحيطة بك، من محل ميكانيكي “قديم” وحوانيت “عفنة” ومحطة مسافرين وسخة وفوضية، وخلاء لا يوجد فيه سوى “العجاج” والأزبال، لا تساعد على الاستمتاع بأي وجبة.
ملاهي “محفحفة”
الليل في ورزازات مخيف. الطاكسيات تكاد تكون منقرضة. جميع المحلات مقفلة تقريبا. لا وجود لحانات أو بارات. وحتى الملاهي الليلية التي تفتح أبوابها لا يدخلها إلا “من عافه السبع”، وليست مخصصة للسياح نهائيا. لا وجود لأي فضاء للترفيه نهائيا سوى المقاهي “المحفحفة” التي تغلق أبوابها في الساعات الأولى من المساء، لتجد نفسك وأنت تتخبط في شوارع المدينة المقفرة، ينتابك الملل وتكاد تسقط في اكتئاب مزمن، وتقول في نفسك “إنها آخر مرة تطأ فيها رجلي هذه المدينة البئيسة”.
جريمة فعلية
ما يقع لورزازات من تهميش ولامبالاة من طرف المسؤولين والوزارات الوصية، خاصة عن السياحة، جريمة فعلية في حق مدينة تمتلك الكثير من المؤهلات التي يمكن أن تجعل منها جنة على الأرض. لا يكفي الاستثمار من أجل إعادة فتح الفنادق المغلقة، ولا بناء فنادق جديدة. لا يكفي تشجيع الطيران والرحلات الجوية نحو ورزازات والمنطقة. لا تكفي زيارة يتيمة لوزيرة السياحة إليها للوقوف على الوضع المؤلم والقاسي. يجب تنشيط المدينة فعليا. وليس على الورق فقط. يجب إعادة بناء كل شيء فيها، بما في ذلك العقليات التي تسير وتتخذ القرار. إنها تحتاج إلى ثورة تتخلى عن كل القديم فيها وتنفتح نحو أفكار ومنتوج سياحي جديد ومختلف، قادر على الجذب واستقطاب السياح. وإلا ستظل كل الأصوات التي تدق ناقوس الخطر بخصوص واقع المدينة، وكأنها تصرخ في واد.
التعليقات 0