يعيش أبناء المدينة القديمة للدار البيضاء، على إيقاع الغضب والتذمر والسخط، بسبب عمليات التدمير التي تلحق بيوتهم ومنازلهم التي رأوا فيها النور، وكبروا وترعرعوا فيها، وعاشوا فيها سنوات طويلة وتوارثوها أبا عن جد.
ذاكرة وتاريخ
وقال عدد من قدماء أبناء المدينة القديمة، الذين التقاهم “آش نيوز”، في جولة بالمنطقة، إنهم كانوا يأملون بإعادة إصلاح بيوتهم وترميمها، خاصة أنها تشكل ذاكرة مدينة الدار البيضاء وجزءا مهما لا يتجزأ من تاريخها، ليفاجؤوا بأن آلات “التراكس” تحصد الأخضر واليابس فيها، دون حسيب ولا رقيب.
وقال أحد سكان حي “السوينية” المعروف بالمدينة القديمة للدار البيضاء، في تصريح للموقع: “لم نعد نفهم شيئا مما يقع. فالملك محمد السادس تحدث عن إعادة تأهيل المدينة القديمة. وهو ما لم تمتثل إليه السلطات التي تهدم البيوت على رؤوس أصحابها وتطالبهم بالمغادرة قبل حتى أن يجمعوا أثاثهم وأغراضهم”.
منازل متينة
وحول المنازل الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة للدار البيضاء، قال المتحدث نفسه، إنها تحتاج إلى الترميم والإصلاح فقط، مؤكدا وجود دور غير متهالكة تعرف أيضا محاولات للهدم أيضا، رغم أن بناءها صلب، والدليل أن آلات “التراكس” تجد صعوبة في ردمها، وغالبا ما تكون محاولات هدمها فاشلة بسبب متانتها.
واستغرب ساكن آخر من سكان المدينة القديمة، كيف للسلطات أن تهدم بيوتا ودورا عرفت أحداثا تاريخية مهمة، أو سكنتها شخصيات أيقونية يفتخر البيضاويون والمغاربة بها، مثل منزل المقاوم أحمد الراشدي، الذي تم هدمه كله، أو منزل بوشعيب البيضاوي، الذي تلقت عائلته إنذارا بإخلاء المنزل، في انتظار تدميره أيضا.
أحياء هامشية
أما بخصوص المنازل التي تم توفيرها للسكان المتضررين، فأجمع عدد من المتحدثين إلى “آش نيوز”، أنها مساكن أكثر هشاشة من تلك التي أجبرتهم السلطات على مغادرتها، كما أنها بعيدة جدا عن أماكن عملهم، وتوجد في أحياء هامشية في الدار البيضاء، بيئتها غريبة تماما عن البيئة التي عاشوا وتربوا فيها داخل أحياء المدينة القديمة.
يقول واحد منهم: “المبلغ الذي خصصته السلطات من أجل ترحيل وتعويض سكان المدينة القديمة أضخم بكثير من الميزانية التي قد تخصصها لإعادة ترميم وإصلاح منازلهم، مع الحفاظ في نفس الوقت على تاريخ المنطقة وإعادة إيواء السكان في بيوتهم التي تعودوا على العيش فيها ويحلمون بالموت تحت سقفها”.
“دار دادا”
“غالبية أبناء المدينة القديمة يشتغلون في وسط الدار البيضاء، ويكلفهم التنقل من تلك المنازل الموجودة في الضاحية إلى أعمالهم، ميزانية يومية مهمة تثقل كاهلهم، دون الحديث عن مدارس الأبناء، مع العلم أن إمكانياتهم المادية محدودة جدا”، يقول أحد السكان والدموع تغالب عينيه، مضيفا: “لا أحد يفهم ما يقع. ويبدو أن الهدف من عمليات هدم بيوت المدينة القديمة هو فتح مطاعم وحانات يرتادها السياح والأغنياء”، في إشارة إلى مطعم “دار دادا”، الذي فتح قبل سنوات بجوار “عرصة الزرقطوني” الشهيرة، والذي يعرف لدى قدماء أبناء المنطقة ب”دار الخمار”، التي كانت مدرسة لتعليم البنات الطرز والخياطة.
كل سوف يموت المهم ان نترك أثرا جميلا ..لماذا التذمر ؟