لمن لا يعرفون المهدي بلخياط، ويسألون عنه، بعد أن انتشرت صوره اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بدعوات أصدقاءه له بالرحمة بعد أن فجعوا في وفاته، فهو ليس مجرد منتج فني ذكي وناجح. إنه قبل هذا وذاك، قلب طيب وإنسان خلوق و”ولد الناس” و”مربي” وأب مسؤول محب لبيته وأسرته وعائلته، في زمن كادت فيه هذه الصفات تنقرض بين الناس. لذلك خلف خبر رحيله مرارة في النفوس.
رجل تواصل
الوسط الفني والإعلامي بالمغرب جلّه يعرف بلخياط. فهو رجل تواصل بامتياز. وكان حاضرا بقوة في جميع الأحداث والمناسبات والمهرجانات، ينشر الفرح والبهجة من حوله. وكانت طاولته معروفة ومميزة من دون باقي الطاولات، يتحلق حولها أكبر عدد من الضيوف للاستمتاع بحكايات وقفشات المهدي وأخباره وطرائفه. لكنه لحظة الجد، سرعان ما تجده يشارك معك الأفكار والمشاريع وإمكانيات التعاون المثمرة، والتي يجد دائما لها مجالا لتحقيقها على أرض الواقع، مستعملا شبكة علاقاته وقدرته على الإقناع وحسه المغامر والشجاع.
شعلة طاقة
كان المهدي شعلة من الطاقة والحيوية. فهو قد يقطع موعد عمل على العشاء في الدار البيضاء، ويكمل سهرته في الرباط إلى ساعة متأخرة، ليستقل سيارته في الصباح الباكر بعد سويعات نوم قليلة جدا، شاقا طريقه نحو مدينته فاس، وهو في كامل بهاءه وأناقته ونشاطه، وبمجرد ما ينهي التزاماته، تجده مرة أخرى في طريقه إلى طنجة، إلى درجة أنك تستغرب لحال هذا الرجل متى يستريح وينام ويهدأ. وكأنه كان يعرف مسبقا أنه سيرحل باكرا، لذلك استغل كل دقيقة منحت له، في العيش. ولهذا السبب، كنت أطلق عليه على سبيل الدعابة والمزح، لقب “هتلر”، ليس لأنه كان “شيطانا”، بل لأنه كان يوظف كل قوته من أجل الوصول إلى الهدف الذي يطمح إليه.
الفاسي الدبلوماسي
تعود معرفتي بصديقي “هتلر”، إلى أكثر من 10 سنوات، تبادلنا فيها المودة والاحترام وجمعنا فيها العمل والتعاون المشترك. لن أدعي أنه كان مقربا. لكني كنت أكن له معزة خاصة، وهو كذلك. اختلفنا كثيرا أثناء نقاشاتنا الكثيرة في نظرتنا للأمور والأشياء. فقد كان هو فاسيا دبلوماسيا وكنت بيضاوية متمردة جامحة في آرائي. وبعد كل جدل، كان يكتفي بابتسامة لطيفة ويعلق “مسخوطة”، لننتقل إلى موضوع آخر تسمع فيه قهقهاتنا النابعة من القلب. لأن الجميل في المهدي، هو أن كل ما كان يفعله، كان يفعله عن حب. حب لعائلته ومهنته وأصدقائه.
روح جميلة
رحيلك صادم ولم يكن متوقعا. فبالأمس القريب فقط زرتني في مكتبي واحتسينا القهوة على الشرفة وتحدثنا عن حبك للبيضاء وعن ذكريات طفولتك التي قضيتها فيها. بالأمس فقط حدثتني عن جولة صديقك الفنان مروان حاجي ومشروع “حضرة جاز” الذي آمنت به حتى النخاع في وقت فضل غيرك أن يستثمر وقته وجهده وماله في التفاهة. كم كنت سعيدا بنجاحه، طامحا إلى أن يجول العالم للتعريف بثقافة البلد وتراثه. لكن الموت كانت تتربص بك لتخطفك منا دون أن نحسب حسابها. كيف أمكننا أن نتوقع ذلك وأنت ما زلت في عز شبابك وعنفوانك وحبك الجارف للحياة.
وداعا المهدي بلخياط. وداعا صديقي “هتلر”. رافقتك الرحمة والمغفرة والسكينة والصفاء. ولك مني ألف تحية وسلام، هناك حيث سترفرف روحك الجميلة.