إن مهمة التشريع كآلية قانونية، تهدف إلى تحقيق المصلحة والمنفعة المجتمعية العامة، وذلك بتنظيم وخلق التوازن والمساواة بين أفراد المجتمع وتنظيم حياتهم في جميع تفريعاتها وتفصيلاتها بغية إنشاء مجتمع تشاركي يحتضن الجميع في جو يسوده الاستقرار والنماء، تجسيدا لدولة الحق والقانون.
ومما لا شك فيه، أن مشاريع القوانين، بغض النظر عن طبيعتها القانونية وارتباطها بالسلطة التشريعية ومجال اختصاص رجالاتها، فهي شأن مجتمعي يقتضي إشراك الجميع في إعدادها والتشاور بشأنها في إطار مقاربة تشاركية مجتمعية.
وأكيد أن تطوير مشاريع القوانين بات أمرا ملحا وضروريا. غير أن هذا التطوير لا بد أن يتناسب وتطور المجتمع وانفتاحه وكذا استراتيجيات الدولة الحديثة ومخططاتها، والتي تستمد روحها وتوجيهاتها من الخطابات الملكية.
غير أن المتتبع لمسار التشريع مؤخرا سيجد أننا أصبحنا أمام تفرد واستفراد بمشاريع القوانين، بل وسحب أخرى والتسريع والتسرع والسرعة في سن أخرى من أجل الحصول على تشريع فئوي تمييزي. وهو الأمر الذي سينعكس على الفئة الفقيرة من أبناء هذا الشعب في غياب برلمان لا يعبر عن إرادة هذا الشعب في صنع هذه المشاريع.
وبعيدا عن لغة المغالطات وتحريف الحقائق التي يستعملها البعض من أجل شرعنة تعسفهم للقول بأن المحامين يبحثون عن مصالحهم الذاتية وعلى مشروع قانون يناسبهم بعد التوقف الشامل عن ممارسة مهام الدفاع استجابة لقرار مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب بتاريخ 2024/10/26، والذي فرض كرها على المحامين بعد سلسلة من المحاولات الجادة والمسؤولة من طرف السادة النقباء بمكتب الجمعية، والتي جوبهت كلها بغياب حوار جاد ومسؤول من طرف وزارة العدل في هذا الصدد. وعليه، ورفعا لكل لبس، وتبيانا للحقيقة، أؤكد أنا الأستاذ محمد لخضر، المحامي بهيئة المحامين بالدار البيضاء، بأن المحامين لا يدافعون عن مصالحهم الفئوية كما يحاول البعض تمرير هذا الخطاب، بل من أجل الدفاع عن مصالح المتقاضي المواطن وعن مصلحة البلاد العليا في تطبيق القانون وتنزيل غايات ومرامي دستور 2011، والتي غابت عن هذا المشروع الذي يفتقر إلى العدالة في مضامينه والذي تناقضت مواده تناقضا مطلقا مع الدستور في مخالفة صريحة فاضحة لأسمى تعبير عن إرادة الأمة وضرب مبدأ مجانية القضاء و التنصيص بخلاف ذلك على مقتضيات ترهيبية في مواجهة المواطن بمنعه من اللجوء إلى القضاء، مع الإشارة أن هذا المشروع تم التصويت عليه من طرف 102 برلمانيا من أصل 292 برلمانيا من الأغلبية الحكومية. وهو الأمر الذي سنحاول أن نسلط الضوء عليه وذلك بالحجة الدامغة والدليل القاطع من خلال عرض هذه المواد حتى تصل الحقيقة إلى عموم المواطنين بدون زيادة أو نقصان
/1 المادة 17 ” يمكن للنيابة العامة المختصة وان لم تكن طرفا في الدعوى و دون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابعة أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام.
يتم الطعن أمام المحكمة المصدرة للقرار بناء على أمر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا أو بناء على إحالة من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حالة ثبوت خطأ قضائي أضر بحقوق أحد الأطراف ضررا فادحا. بمعنى أنه يمكن للنيابة العامة في أي وقت شاءت ولو بعد مرور أعوام، وحتى ولو لم تكن طرفا في الدعوى، أن تصرح ببطلان أي مقرر قضائي ترأى لها أنه مخالف للنظام العام. وهو الأمر الذي يضرب في العمق حجية الأحكام القضائية وقيمتها القانونية ويضرب استقلال القضاء والقاضي والأمن القضائي ويخرق مبدأ دستوريا تم التنصيص عليه في الفصل 126من الدستور بالقول “الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع”.
/2 المادة 30 “مع مراعاة المقتضيات الخاصة تختص المحكمة الابتدائية بالنظر”
– ابتدائيا وانتهائيا الى غاية ثلاثين ألف درهم 30000 درهم.
– ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف في جميع الطلبات التي تتجاوز ثلاثين ألف درهم 30000 درهم.
– يبث ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف في الحالة المنصوص عليها في المادة 23 أعلاه.
بمعنى أنك أيها المواطن الفقير لا حق لك في تقديم الاستئناف إذا لم يكن طلبك يتجاوز 30000 درهم، ولا حق لك في اللجوء إلى المحاكم، وحجبك عن ذلك وتسقيف ذلك في حدود، أكيد بأن جل المغاربة في غير استطاعتهم، مما يعتبر مسا خطيرا بمبدأ المساواة في اللجوء إلى القضاء وخلق الطبقية والفئوية داخل المجتمع الواحد وتمييز المواطنين بين الدرجة الأولى و الخدم والغني والفقير ومسا خطيرا بمبدأ مجانية التقاضي والمساواة أمام القانون دستوريا كما تم التنصيص عليهما في الفصل 6 منه بالقول “القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاص ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له”، والفصل 118 منه أيضا “حق التقاضي حق مضمون لكل شخص للدفاع عن مصالحه التي يحميها القانون … “، و الفصل 121 “يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي”.
/3 المادة 62 ” لا يمكن إثارة الدفوع بعدم القبول لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية باستثناء الأحكام الغيابية
“إذا انتهت المحكمة إلى الحكم بعدم قبول الدفع، وتبين لها أن التمسك به لم يقصد منه إلا المماطلة والتسويف، أمكن لها الحكم على المتمسك به بغرامة لفائدة الخزينة العامة، تتراوح ما بين خمسة آلاف 5000 درهم وعشرة آلاف درهم 10000 درهم، وذلك بصرف النظر عن التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر”.
بمعنى أنه يمكن تغريم أي طرف أثار دفوعا قانونية في موضوع الدعوى حماية لمصلحته ودفاعا عن حقه وأيضا وأد مبدأ الدفوع بالمرة وربط ذلك بوجود تسويف ومماطلة من إثارته وكأن الدفوع جعلت أصلا للتسويف والمماطلة. ناهيك عن أن هذا الحكم بعدم القبول قد يكون موضوع إلغاء في أي مراحل التقاضي الأخرى. ليطرح السؤال عن ماهية المحكمة والقاضي وإثقال كاهله وتحميله فوق ما يستطيع وإجبار القاضي على التوغل في أعماق وجدان ونوايا الأطراف المثيرة للدفوع وتبيان حسن النية وسوءها فيها. مع العلم أن الدفوع تثار من طرف المحامي باعتباره صاحب الملكة القانونية في الدفاع عن موكله.
/4 المادة 166 ” … يحكم على مدعي الزور المرفوض طلبه بغرامة لفائدة الخزينة العامة ما بين عشرة ألاف 10000 درهم وعشرين ألاف 20000 درهم دون مساس بالتعويضات والمصاريف والمتابعات الجنائية …”
الأمر الذي يفهم منه أنه إذا تم تقديم طلب بالزور الفرعي في أحد المستندات وتم رفض هذا الطلب، فإن القاضي يحكم على الطرف المقدم لهذا الطلب بغرامة تتراوح ما بين 10000 و 20000 درهم. وهو كما أسلفنا سابقا أنه يمنح للقضاء إمكانية الحكم على المتقاضين بغرامات مالية لفائدة الخزينة وهو ما يعتبر خرقا لحق المواطن في التقاضي المكفول دستوريا وهو حال أيضا المادة 243 أيضا.
/5 المادة 243 ” إذا رأت المحكمة أن التعرض أو الاستئناف لم يقصد منه إلا المماطلة والتسويف وجب عليها أن تحكم على المدين بغرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة لا تقل عن خمسة 5 في المائة ولا تفوق نسبة حمسة عشر 15 في المائة من مبلغ الدين المحكوم به ”
/6 المادة 340 ” يحكم في حالة رفض طلب التجريح على من قدمه بغرامة لا تتجاوز عشرة ألاف 10000 درهم
“يمكن للقاضي المجرح فيه أن يطلب عند الاقتضاء تعويضه عن الأضرار، غير أنه لا يمكن للقاضي الذي يقيم أو ينوي إقامة دعوى التعويض أن يشارك بعد ذلك في الحكم في القضية الأصلية. فإن ساهم في ذلك لم يتأت له أن يقيم هذه الدعوى”.
والذي مؤاده أن المواطن إن أراد تجريح قاض ما في أحد القضايا إذا ظهر له أي سبب من أسباب التجريح المنصوص عليها في المادة 335 من نفس القانون، فسيكون أمام خيار الترهيب أولا قبل الإقدام على تقديم طلب التجريح هذا، والذي يعتبر أساسا من أسس المحاكمة العادلة وأقوى تنزيل للعدالة في سموها. كما سيضرب مبدأ استقلالية القضاء وسمو هذه المهنة النبيلة وسمو منتسبيها ومن أوكلهم الله سبحانه وتعالى مهمة الفصل بين العباد، فكيف يعقل أن يقوم أي قاض من قضاة المملكة في حالة الحكم برفض طلب تجريحه بطلب تعويض من أي مواطن مغربي. ناهيكم أنه لم يتم تبيان كيفية تقديم طلب التعويض هذا ولا الجهة التي ستبث فيه ولا كيفية أجرأته وتنفيذه مع العلم أن المئات بل الآلاف من الملفات يتم فيها رفض طلبات التجريح دون أن تؤثر على السير العادي للمحاكمة ولا على نفسية السادة القضاة.
و الأمر نفسه ينصرف الى مقتضيات المادة 409 والتي تتعلق بطلبات الإحالة من أجل التشكك المشروع والمادة 425 المتعلقة بمخاصمة القضاة.
/7 المادة 409 ” يمكن تقديم طلبات الإحالة من أجل التشكك المشروع من أي شخص طرف في النزاع بوصفه مدعيا أو مدعى عليه أو متدخلا أو مدخلا كضامن
إذا قبلت محكمة النقض دعوى التشكك المشروع أحالت القضية بعد استشارة النيابة العامة إلى محكمة تعينها تكون من نفس درجة المحكمة المتشكك فيها.
إذا لم تقبل محكمة النقض الدعوى حكم على المدعي غير النيابة العامة بالمصاريف كما يمكن الحكم عليه بغرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة بين عشرق ألاف 10000 درهم و 50000 درهم.
/8 المادة 425 ” يحكم على المدعي عند رفض المقال بغرامة بين عشرة ألاف 10000 درهم وخمسين ألف 50000 درهم لفائدة الخزينة دون المساس بحق الأطراف في المطالبة بالتعويض عن الاقتضاء”
/9 المادة 375 ” تختص محكمة النقض ما لم ينص القانون على خلاف ذلك بالبت:
– الطعن بالنقض ضد المقررات الانتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة باستثناء القرارات الاستئنافية الصادرة في مادة شرعية القرارات الإدارية والأحكام الصادرة في الطلبات التي لا تتجاوز قيمتها ثماني ألف 80000 درهم وفي الطلبات المتعلقة باستيفاء واجبات الكراء والتحملات الناتجة عنه وبمراجعة الوجيبة الكرائية.
وهذا المقتضى يعتبر من أخطر المقتضيات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية والذي جاء تكريسا لمبدأ التمييز بين المواطنين وتقسيم الطبقات وجعل درجة التقاضي حكرا فقط على الأغنياء وتهميش الطبقة الفقيرة وحرمانها من حق التقاضي في خرق سافر لدستور المملكة الفصل 118 منه.
/10 المادة 383 ” لا يوقف الطعن بالنقض التنفيذ إلا في الأحوال التالية:
الأحوال الشخصية – الزور – التحفيظ العقاري
-تذييل المقررات الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالصيغة التنفيذية.
-المقررات الصادرة في القضايا الإدارية ضد الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها وباقي أشخاص القانون الخاص.
– المقررات الصادرة عن المحاكم في مواجهة شركات الدولة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 69/00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى.
– المقررات الصادرة في الدعاوى المتعلقة بالأوقاف العامة المطعون فيها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف.
وهذا المقتضى يعني أنه لا يمكن تنفيذ الأحكام الصادرة ضد إدارات الدولة المنصوص عليها الفقرات 7-6-5 إذا مارست الطعن بالنقض عكس المواطن والذي يتم التنفيذ في مواجهته حتى ولو طعن بالنقض في الحكم الصادر في مواجهته. وهذا يعتبر مسا خطيرا بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 6 من الدستور والتي أكدت على أنه “القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع أشخاص ذاتيين أو اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له”.
ومما لا شك فيه بعد هذا الموجز الذي لا يقطعه شك، وردا على كل من يحاول تحوير النقاش الحالي وتصوير المحامي بذلك الطرف الذي يبحث عن مصالحه فقط، أقول ما قولك في هذا مع العلم أن المحامي قد يشتغل في النص الجيد والنص غير الجيد.
إن البناء الديمقراطي لا يستقيم إلا بوجود عدالة يشارك فيها الجميع أفرادا وجماعات واحترام الحقوق والحريات وصيانتها.
ونافلة القول إن المحاماة ستبقى دائما وأبدا الحصن الحصين للدفاع عن الوطن والمواطنين أحب من أحب و كره من كره.
الأستاذ محمد لخضر (محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء)
التعليقات 0