تصنيف أوروبي يفضح فشل الجزائر في مكافحة غسل الأموال
تصنيف أوروبي يثير القلق ويدرج الجزائر ضمن قائمة الدول "عالية المخاطر" في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب

في وقت حساس تمر فيه الجزائر باختبارات مالية ومؤسساتية دقيقة، فجر وزير المالية عبد الكريم بوزرد مفاجأة مدوية حين أعلن أمام نواب البرلمان أن بلاده لم تتلق أي طلب رسمي لافتتاح مكاتب صرف العملات، رغم صدور الإطار القانوني المنظم لهذا القطاع منذ شهور. تصريح فتح باب التساؤلات، لا سيما وأنه تزامن مع إدراج الجزائر ضمن قائمة الدول “عالية المخاطر” في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب من قبل المفوضية الأوروبية.
رغم تبني بنك الجزائر لإطار تشريعي يتيح إنشاء مكاتب صرف تحت رقابة مالية، لم يبادر أي فاعل اقتصادي بطلب الترخيص، ما يعكس فقدان الثقة في البيئة القانونية والتنظيمية، واستمرار هيمنة السوق الموازية على التعاملات بالعملات الأجنبية، خصوصا في ظل اقتصاد لا يزال يعتمد على مداخيل النفط، ووسط تقلبات العملة المحلية وتزايد التضخم.
“السكوار”، السوق السوداء الشهيرة، ما تزال الوجهة الأولى للراغبين في اقتناء العملات الأجنبية، في ظل غياب بديل رسمي فعال. وهذا الواقع، بحسب خبراء، يشكل تهديدا مستمرا على الشفافية المالية والاستقرار الاقتصادي في البلاد.
تصنيف أوروبي يعمق الأزمة
ولم تكن الصدمة في تعثر الإصلاح فقط، بل في تبعاته الدولية، حيث قرر الاتحاد الأوروبي مؤخرا إدراج الجزائر ضمن لائحة الدول الخاضعة لمراقبة مشددة بسبب ارتفاع مؤشرات غسل الأموال. خطوة تأتي بعد عام واحد فقط من إدراجها في “القائمة الرمادية”، ما يطرح علامات استفهام بشأن فعالية استجابة الجزائر للتوصيات الدولية، رغم ما تؤكده الحكومة من قيامها بإصلاحات منذ انضمامها إلى مجموعة العمل المالي (FATF) سنة 2003.
وبينما حاول وزير المالية التقليل من وقع التصنيف الأوروبي، معترفا بإمكانية العودة إلى القائمة الرمادية، إلا أن ذلك لم يمنع نواب البرلمان من إثارة التساؤلات حول نجاعة المنظومة المالية، خاصة في ظل استمرار تهريب الملايين من الدولارات سنويا عبر مسالك غير قانونية نحو الخارج، أبرزها فرنسا.
مخاوف من غياب الشفافية وإرادة التغيير
وبحسب متابعين للشأن الاقتصادي الجزائري، فإن العراقيل التي تعترض إنشاء مكاتب صرف رسمية ليست محض عراقيل إدارية أو تقنية، بل تعكس أزمة أعمق تتجلى في غياب الشفافية، وغموض مصادر الأموال، وانتشار الفساد البنيوي.
رجال أعمال شرعيون لا يغامرون في دخول مجال قد يستغل لغسل الأموال، بينما الفاعلون غير النظاميين لا يحتاجون أصلا إلى أي ترخيص. في المقابل، تغيب الرقابة الحقيقية، وتطرح علامات استفهام حول الإرادة السياسية في تفكيك الاقتصاد الموازي.
والسؤال الذي يطرحه مراقبون هو، هل تعجز الجزائر فعلا عن تنفيذ إصلاحاتها، أم أن هناك رغبة ضمنية للإبقاء على هذه الفوضى المنظمة التي يستفيد منها البعض؟ فتح مكاتب صرف رسمية يعني الخضوع للرقابة وكشف مصادر الأموال، وهو ما لا يبدو مرحبا به من جميع الأطراف.
خلاصة المشهد: نظام هش ومواطن مسحوق
وما لم تباشر إصلاحات جذرية حقيقية تشمل آليات الرقابة، وتحسين مناخ الأعمال، وتعزيز ثقة المستثمرين، ستظل الجزائر أسيرة لقوائم المراقبة الدولية، وستظل العملة الصعبة تحت رحمة السوق السوداء، فيما يضطر المواطن العادي إلى الوقوف في طوابير “السكوار” للحصول على بضع يوروهات، في مشهد يلخص أزمة الثقة التي تخنق الاقتصاد الوطني.


تعليقات 0