باشرت مصالح وزارة الداخلية سلسلة افتحاصات معمقة انتهت بإحالة تقارير ثقيلة على المديرية العامة للجماعات الترابية، بعد رصد خروقات وصفت بـ”الصادمة” في صفقات تزويد مرائب الجماعات بالمحروقات والزيوت وقطع الغيار. وأظهرت النتائج وجود تلاعبات ممنهجة في تدبير “البونات” وسندات الطلب، تخطت حدود الأخطاء الإدارية إلى ممارسات ذات طابع ريعي مباشر.

سيارة إسعاف متوقفة تتحول إلى بوابة لصرف 60 مليون سنتيم

وكشفت التحقيقات استعمال سيارات إسعاف متوقفة منذ سنوات كواجهة لتمرير اعتمادات مالية ضخمة، بلغت في إحدى الحالات 60 مليون سنتيم. كما تبين أن رؤساء جماعات سابقين وحاليين استعملوا سندات الطلب بشكل مفرط وغير مبرر، ما أسفر عن عزل بعضهم وإحالة آخرين على الشرطة القضائية.

وتمكنت لجان التدقيق من الحصول على وثائق تثبت حصول منتخبين على محروقات لأغراض شخصية، إلى جانب صرف “بونات” خارج المساطر القانونية بالتنسيق مع محطات وقود وورشات ميكانيك. وشملت التجاوزات صفقات تم فيها اقتطاع عمولات وصلت 10 في المائة، ما يعكس شبكة مصالح متشابكة تستغل ضعف الرقابة على المرائب الجماعية.

مصاريف مبالغ فيها بلا مبرر تقني

وسجل التقرير تضخيم مصاريف المحروقات والصيانة إلى 116 مليون سنتيم في جماعات لا تتوفر إلا على بضع عربات، في غياب تام للبطائق التقنية الخاصة بتتبع الاستهلاك والصيانة، ما فتح الباب أمام مزيد من الهدر.

وخلص المفتشون إلى أن سندات التزود بالمحروقات أصبحت وسيلة لاستقطاب الدعم داخل المجالس، حيث جرى توزيعها على أقارب ومناصرين، ما أدى إلى تبديد ميزانيات مخصصة لتسيير المرافق العمومية.

التخلي عن الرقابة.. خرق واضح للمادة 9

وتبين أن عددا من الجماعات تخلت بالكامل عن أنظمة المراقبة الداخلية لتدبير المرائب، في خرق واضح للمادة 9 من المرسوم المنظم لحظيرة سيارات الجماعات والإدارات، ما سمح بانتشار ممارسات غير قانونية على نطاق واسع.

ويشير تقرير المجلس الأعلى للحسابات (2023-2024) إلى أن الجماعات الترابية تتوفر على أسطول يفوق 48 ألف عربة، بزيادة تفوق 46% خلال سبع سنوات، لكنه يظل خارج إطار حوكمة واضح يحدد طرق الاستغلال والمستفيدين، ما يجعل هذا القطاع أحد أكبر بؤر الهدر وسوء التدبير.