هل ما تزال جبهة التحرير حزبا سياسيا في الجزائر؟
انتخاب قيادة جديدة يعيد النقاش حول دور الحزب داخل نظام يدار خارج المؤسسات

اختار حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري محمد جميعي أمينا عاما جديدا خلفا لمعاذ بوشارب، في خطوة تنظيمية تأتي بعد سنوات من التحولات السياسية المتسارعة بالجزائر. غير أن هذا التغيير لا يطرح فقط سؤال من يقود الحزب، بل يفتح نقاشا أوسع حول معنى ودور الجبهة داخل نظام سياسي يدار أساسا من خارج المجال الحزبي.
فجبهة التحرير لم تكن يوما حزبا سياسيا عاديا، بل عنوانا مكثفا لذاكرة التحرر الوطني. لكنها منذ الاستقلال تحولت إلى ذراع سياسية لنظام صاغته المؤسسة العسكرية المنتصرة في حرب التحرير، بحيث ظل القرار السياسي بعيدا عن الحزب، فيما بقيت الجبهة مجرد واجهة تاريخية لإدارة شؤون الدولة.
تعددية حزبية تحت الرقابة
وحين فتح الباب أمام التعددية سنة 1989، لم تتغير القاعدة الجوهرية، فالأحزاب تتحرك داخل هوامش يحددها النظام العسكري ـ الأمني. وحتى فوز الجبهة في انتخابات 2021 جرى داخل سياق مطبوع بضعف الإقبال الشعبي وتآكل الشرعية الانتخابية، ما يجعل “النصر” أقرب إلى انعكاس لمنطق الضبط السياسي منه إلى تعبير عن تمثيلية اجتماعية واسعة.
وجاء حراك 2019 ليكشف حجم الفجوة بين الأحزاب والمجتمع. لم يكن الغضب ضد الجبهة وحدها، لكنها تحولت رمزيا إلى عنوان لنظام سياسي يدير القرار من خارج المؤسسات، ويترك للأحزاب وظيفة التأثيث الشكلي للمشهد العام.
تجديد الواجهة بدل تجديد الوظيفة
وانتخاب قيادة جديدة داخل جبهة التحرير يمكن قراءته كإعادة ترتيب شكلي، لا يغير من حقيقة أن مركز القرار يوجد خارج الحزب. فالتجديد الحزبي يصبح بلا معنى حين لا يمتلك الحزب سلطة التأثير في الخيارات الكبرى، ويظل مجرد آلية لتثبيت التوازنات السائدة.
وتغدو مأساة جبهة التحرير مزدوجة: فهي تحمل إرثا تاريخيا يمنحها شرعية رمزية قوية، لكنها في الآن نفسه فقدت استقلالية القرار، لتتحول إلى فاعل إداري سياسي محدود التأثير. وهو ما يعكس أزمة أوسع داخل النظام السياسي الجزائري، حيث تدار السياسة من خارج الأحزاب، بينما تستدعى هذه الأخيرة للواجهة وقت الحاجة الانتخابية أو الرمزية.
وطالما ظل مركز القرار منفصلا عن المؤسسات الحزبية، ستبقى جبهة التحرير وباقي الأحزاب مجرد أدوات تسيير وضبط، لا فضاءات فعل سياسي وتمثيلي حقيقي. أما سؤال استعادة الحزب لمعناه التاريخي، فيظل مرتبطا بإمكانية بناء نظام سياسي يعترف بالدور المستقل للأحزاب كحاملة للإرادة العامة لا كواجهات تنظيمية فحسب.


تعليقات 0