كان عموري امبارك، فنانا زاهدا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم يكن المال بالنسبة إليه يشكل أهمية، ولا الشهرة والأضواء، ومثلها الحياة التي غادرها وسنه لا يتجاوز 65 سنة. لقد كان يعيش اليوم بيومه، أحيانا في بحبوحة، وأحيانا كثيرة، وهو لا يملك درهما في جيبه، لكنه كان مكتفيا بفنه وموسيقاه التي خلدت اسمه في تاريخ الأغنية المغربية عموما، والأمازيغية على وجه الخصوص.
يقول المقربون من عموري، إنه كان من الأشخاص الذين “يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”. لم يكن يتردد في منح أجرته كاملة التي تقاضاها عن حفل أحياه، إذا صادف في طريقه مسكينا أو جائعا، وقد يهدي قيثارته أو يمنحها لمعجب أو محتاج. لقد كان مرهف الإحساس شديد التأثر وعاطفيا جدا، خاصة إذا عجز عن مساعدة صديق أو قريب.
يجمع الكل على أن كرامته وعزة نفسه كانتا فوق كل اعتبار. وحتى حين أصيب بالسرطان اللعين، رفض أن يطلب مساعدة أو دعما أو إعانة، رغم إلحاح البعض، بل رفض حتى التحدث عن مرضه إلى وسائل الإعلام، وفضل الانزواء في حجرته الباردة في إحدى مصحات البيضاء، حيث استقبل الموت بطمأنينة وعنفوان، بعد أن أوصى بدفنه في قريته الصغيرة بنواحي تارودانت.
إضافة إلى الموسيقى، كان عموري امبارك شغوفا بالقراءة أيضا. كان صديقا للعديد من الكتاب المعروفين، وعلى رأسهم الراحل محمد خير الدين، الشاعر والروائي الأمازيغي الذي تألق اسمه في فرنسا الأنوار. لذلك، كانت مسحة الثقافة وسعة الاطلاع واضحة في الموسيقى التي كان يقدمها، والتي كانت تزخر بالمعاني الفلسفية والتأملات والنضال. لذلك، لا يسمع أي كان أغانيه، بل فقط من ينتمي إلى نخبة واعية مثقفة.
ولد عموري سنة 1951 في دوار مزغالة البعيد. اشتغل راعيا للغنم قبل أن يلتحق بإحدى المؤسسات الخيرية بعد وفاة والديه وتفرق إخوته، وهو في سن صغيرة. وهناك، في دار الأيتام، سيكتشف موهبته في الغناء، وفي حفظ الأشعار والعزف على القيثارة، ويلتقي أفراد أولى مجموعة موسيقية سيؤسسها باسم “الطيور”. غير أن بداياته الحقيقية كانت في السبعينات مع مجموعة “أوسمان”، (وتعني بالعربية البرق)، وهي المجموعة التي رأت النور بفضل عدد من الباحثين والمثقفين الأمازيغ، وكانت أول مجموعة أمازيغية تدخل عالم المجموعات بالمغرب، إلى جانب “ناس الغيوان” و”جيل جيلالة” و”لمشاهب” وغيرها من المجموعات الفنية المغربية، وشكلت ثورة في عالم الموسيقى الأمازيغية آنذاك باعتمادها آلات حديثة مثل الأكورديون والكمان. لكن، سرعان ما سيغادر عموري “أوسمان” ليغرد وحده خارج السرب. غنى عن السلام والمحبة والتعايش والهجرة والتسامح. غنى للقضية الأمازيغية التي كانت حاضرة بقوة في أعماله.
التعليقات 0