مع حلول السنة الجديدة 2024، من المرتقب أن تواصل أسعار السجائر في المغرب ارتفاعها، إذ ستعرف هذه الزيادات بين درهم واحد ودرهمين حسب كل علامة تجارية، ما يؤشر على تواصل جهود خفض أعداد المدخنين. هذا النقاش الذي قسم الرأي العام بين تأييد ومعارضة، حول إمكانية نجاح هذه الإستراتيجية في خفض عدد المدخنين واستفادة الدولة من الأموال الضريبية، ومن يستبعد فكرة الابتعاد عن السجائر بسبب الزيادة في الأسعار.

منع التهريب

“من الضروري أن ترافق هذه الزيادة في الأسعار، سياسات أخرى كمنع التهريب”، يعلق بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، مبرزا أن “قرار الزيادة في أسعار السجائر من أجل الحد من الإدمان أو التقليص منه، يجب أن تواكبه الإجراءات الضرورية من مراقبة ومنع للتهريب والبيع بالتقسيط وما إلى ذلك”.

وتابع بوعزة الخراطي في تصريح ل”آش نيوز”، أن “الزيادة ليست حلا لمحاربة الإدمان. يجب أن تبدأ الحرب على السجائر من المدارس، حيث تتفشى هذه الممارسة خاصة بين أوساط التلميذات، اللواتي ارتفعت نسبة إدمانهن في الفترة الأخيرة عليها، كما أن التربية في البيت مهمة جدا في الحد من هذه السلوكات”.

واستنكر الخراطي الزيادة الأخيرة في الأسعار قائلا: “نحن كمجتمع مدني، ندين أي زيادة سواء في السيجارة أو في الخمور، لأنها ستهلك القدرة الشرائية للمواطن، إذ يجب توفير بدائل، وإطلاق حملات تحسيسية، يخصص جزء من تمويلها من مداخيل بيع السجائر”.

تقليص التعاطي

من جهته، يرى محمد معطلا، أخصائي وممارس في علم النفس والإدمان، أن الرفع من أثمنة السجائر يمكن أن يكون له دور نسبي في تقليص نسبة تعاطي السجائر، معتبرا أن هذه الخطوة تندرج تحت لواء الوقاية، بحيث يجد المتعاطي غير المدمن، نفسه مضطرا إلى خفض عدد وحدات السجائر التي يتعاطاها في اليوم.

وأشار الأخصائي، في اتصال مع “آش نيوز”، إلى أن من يشترون السجائر ينقسمون إلى صنفين، صنف متعاطي وصنف مدمن، وهذا الصنف الأخير هو من يمثل الأغلبية الساحقة من مجموع المستهلكين”، وتابع موضحا: ” الإدمان عموما سواء كان على مادة معينة أو على سلوك، يعني سلوكا قهريا على الشخص، ما يجعل الفرد يداوم على انتهاجه بصورة متكررة ويرفع مدة وكيفية تعاطيه للمادة أو السلوك الإدماني إلى أن يصل بعض الأشخاص لمرحلة يظل فيها تحت التأثير لفترات طويلة في يومه، ودون انقطاع”.

مهارات نفسية

“لا يستطيع أغلب المدخنين التوقف عن التعاطي إلا إن كان ذلك بمنهجية طبية وبمواكبة نفسية”، يضيف محمد معطلا، مؤكدا أن “هذه المواكبة تمكن المعني من اكتساب مهارات نفسية تساعده على تجاوز عتبة الإدمان، لأن الإدمان له ما له من عواقب وتبعات على حياة الشخص من كل الأبعاد سواء النفسية أو الاجتماعية أو العلائقية…إلخ”.

وأورد الأخصائي نفسه، أن “تعاطي السجائر هي ضرورة ملحة للمدمن عليها وإلا سيجد الشخص نفسه أمام أعراض انسحابية يصعب التعامل معها، والتي قد تؤدي إلى التأثير على استقراره النفسي والاجتماعي، فالسجائر كغيرها من المواد المخدرة، تمكن المدمن عليها من الإحساس بالاستقرار العاطفي، والقدرة على ممارسة الحياة اليومية بالصورة المعتادة”.

السيجارة أولوية

وأضاف المتحدث، أن “خطوة رفع ثمن السجائر بالنسبة لغير المدمن، أي المتعاطي فقط، قد يؤدي الأمر إلى تقليص نسبة استهلاكه أو قد تنهي لجوءه إلى استعمالها، أما بالنسبة للمدمن عليها، فلن يكون بحل، لأنه سيضطر أمام إلحاحه القاهر إلى التنازل على أي شيء آخر في سبيل تناول جرعاته المعتادة والتي تزداد في الغالب تدريجيا، وستكون للسيجارة أولوية حتى على المتطلبات الغذائية”.

وتابع موضحا، أن “الفرد قد يلتجأ الى تقليل مصاريف البيت بغية توفير قيمة السيجارة، وبالتالي فمادام أن المادة موجودة ومتاحة فلا سبيل لإيقاف متعاطيها إلا في سحبها من الوجود، أما التفاوض في الثمن، فلن ينتج عنه إلا تفاوض المدمن مع أولوياته من حيث الاستهلاك، ولن يزيده ذلك إلا إصرارا عليها”.