مع انتهاء رمضان، أجرينا حوارا مع الدكتور مصطفى راشد، الشيخ الأزهري المصري وأستاذ القانون، عن أهمية الشهر الكريم والحكمة من صيامه. كما استعرضنا معه مجموعة من الممارسات والسلوكات التي ترافق هذا الشهر، والتي اعتبرها شيخنا كاذبة ومزيفة ومكروهة. الشيخ راشد تحدث أيضا عن صلاة التراويح وليلة القدر وزكاة الفطر، وقال فيها رأيه بكل وضوح وصراحة. هو حوار الغرض منه التأمل وسؤال الذات وفتح النقاش بعد نهاية شهر الصيام، الذي يترك فيه العديدون “الصلاية”، ويستعدون للتوجه إلى أقرب حانة احتفالا بقدوم العيد. الله يجعل صيامكم مقبول وعيدكم مبارك مسعود.
بالنسبة إلى رمضان، هل يجوز الإفطار لمن يطيقه حتى ولو لم يكن مريضا أو به علة أم الصوم واجب عليه؟
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين”… وقد ذكرت الآية المريض والمسافر، ثم ذكرت بعد ذلك الذين يطيقونه، بمعنى من يستطيعون الصوم لكنهم لا يريدون ذلك، وجب عليهم إطعام المساكين لأن ذلك أهم وأفضل عند الله. وبالتالي فالإفطار في هذه الحالة ليس جائزا فقط، بل هو رخصة. القرآن لم يفرض الصيام ولا السنة كذلك. ويمكن لأي شخص أن يفطر في رمضان شرط إطعام المسكين، لأن الهدف من الصيام في الأساس أن يشعر المسلم بمعاناة الفقير والمسكين ويطعمه. أما بالنسبة إلى مفهوم “كتب على الذين من قبلكم”، فيعني به القرآن الصابئة، الذين كانوا يمارسون عادة الصيام قبل الإسلام، والمقصود الاستمرار مثلهم في الصيام باعتباره عادة جيدة تجعل الإنسان يشعر بالفقير ويطعمه. وهذا هو الهدف الأصلي، مثلما قال الفقهاء. فإنك لو أطعمت مسكينا فعلت ما يرجوه الله من الصيام.
ما حكم الدين في الفوضى التي يتسبب بها المصلون للتراويح من صلاة في الشوارع وعرقلة للسير؟ وما حكم هذه الصلاة نفسها شرعا؟
لا يوجد دليل صحيح وثابت على صلاة التراويح، رغم ورود أحاديث عنها مزورة ومتضاربة في الكتب المزورة المطبوعة حديثا، والمنسوبة للشيخين البخاري ومسلم، وهي أحاديث منقطعة السند ومنتفية المصدر، لذا أقول إنها ليست فرضا أو سنة واجبة أو سنة مؤكدة، لأننا لو فعلنا ذلك لانطبق علينا قول الرسول عليه الصلاة والسلام “من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”. ومن يفتي بأنها سنة أو فرض فهو كاذب. والدليل على ذلك أن الفقهاء تضاربوا في عدد ركعاتها لعدم وجود نص صحيح عليها، فمنهم من قال 11 ركعة ومنهم من قال 13 ركعة ومنهم من قال 20، وكل ذلك رجم بالغيب لعدم وجود نصوص صحيحة على صلاة التراويح. كما أنه من غير المعقول أن يطلب الله من الإنسان، إلى جانب الخمس فروض في اليوم، أن يصلي أيضا 20 ركعة ويستريح بين كل أربع ركعات، ولذلك سماها المزورون صلاة التراويح، وهو وقت طويل على حساب راحة الإنسان وعمله كي يعيش حياة كريمة ويتكافل مع إخوانه، لأن العمل عبادة، وهو ما ينقص العالم الإسلامى بسبب تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، فأصبحنا أمة مستهلكة مستوردة وليست مصدرة. وكيف تكون التراويح صلاة مفروضة أوسنة بدون دليل شرعي صحيح، ولا تكون ركعاتها معلومة ومؤكدة. لذلك فصلاة التراويح مباحة، من أداها يثاب عليها، ومن تركها لا وزر ولا إثم عليه، لأن الوزر أو الإثم والتحريم لا يكون إلا بنص. وصلاة التراويح لا سند لها مطلقا إلا بنصوص لا يعلم أحد من أين أتت لانتفاء مصدرها. لذا نفتي بقلب مطمئن أن صلاة التراويح ليست سنة ولا فرضا.
البعض يصلي في رمضان فقط أو في يوم الجمعة دون سائر أيام الأسبوع. كيف تفسرون الأمر؟
يتعلق الأمر بإيمان كاذب، أو ادعاء الإيمان. فالله ليس موجودا في رمضان فقط، ومثله مثل من يذهب إلى العمرة والحج وكأن الله موجود هناك فقط وليس في كل مكان. للأسف، تعاني شعوبنا من الإيمان الظاهري والشكلي، وليس الحقيقي. نتمنى أن يفهموا بأن الخالق موجود في كل الأيام وليس في رمضان فقط، أو يوما في الأسبوع أو الشهر، كما أنه في كل مكان. ومن يعرف الله، يذكره في كل وقت وحين ومكان وزمان.
بعض الصائمين يعتبرون المرأة عورة في رمضان وتثير شهواتهم وتبطل صومهم. ما قولكم في ذلك؟
هذا أمر مثير للسخرية. الصيام يكون عن الأكل والشرب والجماع، ودون ذلك لا يبطله. أما النظر إلى المرأة فمحرم دائما. المشكلة أن المسلمين يأخذون دينهم بالسماع فقط ومن دون أي سند.
ماذا عن العطر وغسل الأسنان الذي يعتقدون أنه من المفطرات؟
مسألة مضحكة. العطر أو غسل الأسنان أو أخذ الحقنة لا يفطر. هذه خزعبلات. المفطرات ثلاث مثلما قلنا هي الأكل والشرب والجماع. وحتى الجماع لديه شروط، إذ يجب أن يكون كاملا. أما الملامسة الخارجية فلا تفطر. والرسول نفسه كان يمص لسان عائشة ويقبلها في رمضان. البعض يعتبر أن غسل الأسنان ليس مطلوبا لأنهم يستندون إلى حديث مزور يتحدث عن أن الرائحة الكريهة في فم الصائم، يعتبرها الله مثل رائحة المسك. وهو حديث الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، فالصيام لي وأنا أجزي به”، وهذا حديث مزور.
ما حكم الإقبال الكبير على الأكل والاستهلاك في رمضان؟
تلزمنا دراسة اجتماعية متعمقة لشعوبنا المسلمة لأنها أكثر شعوب تكذب في إيمانها. فرغم أن رمضان فرض للصيام، إلا أن مصاريفه وكمية الاستهلاك فيه أضعاف مضاعفة عن بقية الشهور. فعن أي صيام نتحدث إذن؟ هناك العديد من الأمور يمارسها المسلمون في حياتهم اليومية لا علاقة لها بالدين الحقيقي. إننا شعوب نقول شيئا ونفعل غيره. إيماننا كاذب وخال من المنطق. ويستحق الأمر أن نتوقف عنده وأن نتأمله جيدا.
ما الحكمة الحقيقية إذن من الصوم ومن رمضان؟
رمضان ليس فرضا ولا سنة. هو سنة مستحبة لكن ليست واجبة. وقد قام به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وحين جاء الإسلام كان الصيام موجودا ويمارسه الصابئة مثلما قلت، وقد كانوا يعيشون في مكة ويصومون من رؤية الهلال إلى رؤية الهلال، وحين ينتهي الشهر يحتفلون بعيد الفطر مثلما عليه الحال في يومنا هذا. والرسول وصحابته لم يصوموا رمضان في البداية، إلا بعد مرور حوالي 15 سنة. وقد أتى واحد من الصابئة الذين دخلوا الإسلام إلى النبي بعد هجرته إلى المدينة، وسأله عن إمكانية استمراره في صيام رمضان مثلما كان يفعل في مكة قبل أن يصبح مسلما، فنزلت الآية (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم). الناس لا تريد أن تفهم. صيام رمضان ليس فرضا، لكن إن يصم الإنسان، ففيه خير له. والحكمة منه الإحساس بالفقير. لذلك فهو مطلوب ومستحب من الأغنياء فقط وليس مطلوبا من الفقراء.
ماذا عن قدسية ليلة القدر التي يكثر فيها المسلمون من الصلاة والأذكار وقيام الليل؟
أقول لكل المسلمين والمسلمات، لا تبحثوا عن ليلة القدر بين أعمدة المساجد وأبواب السماء. ابحثوا عنها في رضى أب وأم وأخ وأخت وابن وبنت وزوج أو زوجة… ابحثوا عنها في صلة رحم وإطعام مسكين وكسوة عار وتأمين خائف ورفع مظلمة وكفالة يتيم ومساعدة مريض واحترام الناس على اختلاف عقائدهم. انزعوا الكراهية من قلوبكم وسامحوا كل الناس ولا تحاسبوا غيركم لأن الله فقط من يملك الحساب. والحقيقة لا يعلمها بشر. ابحثوا عن ليلة القدر بقول الحق وإظهار حسن الخلق وإفشاء السلام والتسامح والحب والإقلاع عن الكذب. واعلموا أن كثرة الصلاة لن تفيدكم وأنتم تحملون شيئا من هذه العلل. واعلموا أن الزكاة هى مفتاح الجنة، فهي أعلى منزلة من الصلاة والحج والصوم، لٲن هؤلاء حق لله، لكن الزكاة حق للعبد، وحق العبد مقدم على حق الرب لأن الله غير محتاج والعبد محتاج. كما أن الطواف على بيوت الفقراء أعظم من الطواف حول الكعبة. ابحثوا عن ليلة القدر في ضمائركم قبل مساجدكم. فصنع المعروف هو من يقي من المهالك، والله لا يمنح عديم الضمير، ومن لا يعرف الحب والسلام هالك. ولن تكون ليلة القدر من نصيبك إلا إذا سامحت كل الناس وتوقفت عن ظلم واغتياب الغير. أما ليلة القدر فيومها غير معلوم، لأنها قد تكون في رمضان أو في أي يوم في السنة.
ما الحكمة من زكاة الفطر؟ ولماذا يدفع الأغنياء مثلهم مثل الفقراء؟
زكاة الفطر أو الزكاة بشكل عام هي مفتاح الجنة وأهم ركن إسلامي. وهي عظيمة عند الخالق الذي لم يحددها بدفع مبلغ معين، بل ترك كل إنسان يتصدق حسب استطاعته، وقد تكون بالمال أو بغيره. فالتبسم صدقة ومساعدة الفقير صدقة ورفع مظلمة زكاة وصدقة. الله لم يحدد الأنصبة بخصوص الزكاة والصدقة وتركها للإنسان. ليس هناك نص قرآني أو حديث صحيح حدد مبلغها.
ما حكم الشرع في الذين يستدينون من أجل قضاء رمضان أو القيام بعمرة أو حج؟
الإسلام وضع قاعدة “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”. أي أنه لا يحمل الإنسان أكثر من طاقته سواء في الفروض أو في الأوامر. الله لا يجبر أحدا على أي شيء. حتى في الصلاة، هناك الصلاة الحركية أو بالدعاء. الأوامر الشرعية ليست صارمة. والاستدانة والتكلف من أجل قضاء رمضان أو عمرة أو حج خطأ ومخالف ولا صلة له بالإسلام وبشرع الله وقصده.
احسنت القول يا دكتور الله ينور عليك دائما الاراء المحترمه