بمجرد طرح موضوع تعديل مدونة الأسرة، طفا إلى السطح نقاش عمومي صحي، بخصوص التعديلات التي يتعين صياغتها، وكل طرف أدلى بدلوه، بناء على حجج وأسباب مستمدة من مرجعية كل تيار.
غير أن هذا النقاش الصحي، تخللته بعض التجاوزات، التي تدخل في مصاف الجنح المعاقب عليها قانونا، وذلك بنشر عدة مؤثرين ودعاة ومدعي امتلاك الحق، لخطابات كراهية وتحريض على ارتكاب جناية، باستعمال وسائل إلكترونية تتحقق معها العلنية، من خلال تكفير المؤيدين لتغيير المدونة، بل والتهديد بضرب للرقاب واندلاع حرب أهلية، و لو بطريقة غير مباشرة.
وأمام هذه الوضعية الشاذة، لم تتدخل الجهات الأمنية بالمغرب، لردع هؤلاء، أو على الأقل فتح تحقيق وبحث أمني أو قضائي، للتحقق من شبهة ارتكاب جريمة التحريض والتهديد. وظل الحال على ما هو عليه، وتوالت الخطابات التحريضية والتهديدية، دون حسيب ولا رقيب.
بالمقابل، قام صناع محتوى بإنجاز برنامج ترفيهي على منصة “يوتوب”، مأخوذ من نسخة أجنبية مشهورة “بليند دايت”، تمت مغربتها وعرضها على الجمهور، فتوالت المواقف المؤيدة، وخصوصا الرافضة لهذا المحتوى بعلة أنه يمس بالأخلاق و الذوق العام وتحريض على الفساد، مطالبين بمتابعة منتجي هذا العمل وتدخل الشرطة والقضاء.
فجأة، خرج خبر انتشر كانتشار النار في الهشيم، يفيد بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية فتحت تحقيقا بخصوص هذا المحتوى يتعلق بالبحث في شبهة ارتكاب جريمة التحريض على المساس بالأخلاق والإخلال العلني بالحياء (لم يتم إلى حدود الساعة تأكيد أو نفي الخبر من طرف المصالح الأمنية ويعتبر إلى حدود الساعة مجرد إشاعة)، بغض النظر على أن هذا البحث لن يفضي إلى أي نتيجة لعدم وجود العناصر التكوينية للإخلال العلني بالحياء أو التحريض عليه، لكن نشر الخبر من طرف منصات صحفية عديدة، يضعنا أمام سؤال جوهري. هل الأجدر بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية التدخل في قضايا تتعلق بالتحريض على ارتكاب جنايات والتكفير والتخوين، ما قد يؤدي، لا قدر الله، إلى ارتكاب جرائم خطيرة تمس بالسلامة الجسدية للأفراد، أم البحث في محتوى ترفيهي، يتعلق بالتحريض على ارتكاب جنحة تتعلق بالذوق العام والأخلاق؟
فهل سلامة الأخلاق والذوق العام، أهم من السلامة الجسدية؟ وهل تعتبر تنورة فتاة وبرنامج مواعدة أخطر من زرع الفتنة؟ أتمنى صادقا بأن يكون خبر فتح تحقيق بخصوص المحتوى الترفيهي لصفحة كواليس مجرد إشاعة، وأن عدم الإعلان عن فتح تحقيق أمني بخصوص خطب الفتنة والتكفير مرده سرية البحث، وإلا فإننا سنرجع سنوات إلى الوراء. و لم لا نستورد السلعة البالية للسعودية المتمثلة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي رمتها إلى مزبلة التاريخ، ونقوم نحن بإعادة تدويرها واستهلاكها.
بقلم: الأستاذ محمد بن دقاق، المحامي بهيأة الدار البيضاء
تحياتي للأستاذ بن دقاق تحدثت من جانب موضوعي وطرحت المشكل الحقيقي بطريقة ذكية إحتراماتي لك
في الصميم استاذ بن دقاق
فعلا الأسبقية للبحث في شبهة التحريض على القتل و نشر الكراهية و العنصرية بين مكونات المجتمع أولى من البحث في شبهة المساس بالذوق العام و الأخلاق..
عندما يتقبل نسبة كبيرة من مرتادي المنصات الاجتماعية الدعوة للفتنة و القتل.. ثم يتهجمون بشراسة على مراهقين أو شباب لمشاركتهم في برنامج للمواعدة أو من أجل تنورة فتاة : فهذا يشير لخلل كبير في البوصلة الأخلاقية لقطاع كبير من المجتمع (على الأقل المجتمع المرتاد لمواقع التواصل الاجتماعي)