رفض المجلس العلمي الخبرة الجينية: قراءة قانونية وحقوقية
يثير موقف المجلس العلمي الأعلى برفض اعتماد الخبرة الجينية (ADN) كوسيلة لإثبات النسب في المغرب إشكالية دستورية وقانونية عميقة، تتجاوز البعد التقني لتطرح تساؤلات جوهرية حول مدى انسجام هذا الموقف مع المبادئ الدستورية وحقوق الإنسان التي يلتزم بها المغرب، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية والحقوقية التي تضع مصلحة الطفل الفضلى في صدارة الأولويات. يتقاطع هذا الموضوع مع عدة مبادئ دستورية أساسية، أولها مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في الفصل 6 من الدستور المغربي، وثانيها حماية حقوق الطفل المكرسة في الفصل 32، وثالثها التزام المغرب بالمواثيق الدولية، والتي تسمو على التشريعات الوطنية وفقا لتصدير الدستور.
ازدواجية في التعامل مع الخبرة الجينية
وتبرز المفارقة القانونية في الازدواجية غير المبررة في التعامل مع الخبرة الجينية، إذ يتم اعتمادها كدليل علمي في المجال الجنائي مع رفضها في قضايا النسب. هذا التناقض يثير إشكالية التمييز في المعاملة القانونية، وهو ما يتنافى مع مبدأ المساواة ويضعف ضمانات الحماية القانونية للطفل. من منظور القانون الدولي، يشكل هذا الموقف تحديا لالتزامات المغرب، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي تؤكد في مادتها السابعة على حق الطفل في معرفة والديه، إضافة إلى المادة 24 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن حق كل طفل في التمتع بحماية خاصة تقتضيها مصلحته الفضلى.
إدماج الأدلة العلمية في الأنظمة القانونية
على صعيد الممارسات المقارنة، أظهرت تجارب دول عربية كالإمارات والكويت والأردن إمكانية اعتماد الخبرة الجينية كوسيلة إثبات قانونية في النسب، مع الحفاظ على الحقوق الأساسية وضمان انسجامها مع القيم المجتمعية. هذه التجارب تقدم نموذجا لإدماج الأدلة العلمية في الأنظمة القانونية دون المساس بالمرجعية الدينية. فاستمرار رفض الخبرة الجينية يطرح تحديا كبيرا أمام مبدأ سمو القانون وحماية الحقوق الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالطفل. لذلك، فإن المشرع المغربي مطالب باتخاذ خطوات جريئة لإعادة صياغة الإطار القانوني بما يتماشى مع التحولات الدستورية والحقوقية. وفي هذا السياق يمكن اقتراح الإبقاء على الخبرة الجينية في تعديلات مدونة الأسرة كوسيلة إثبات رئيسية، مع وضع ضوابط دقيقة تضمن احترام المبادئ الشرعية والقانونية بما يحقق العدالة وحماية حقوق الطفل.
رؤية متنورة
ختاما، إن معالجة إشكالية رفض الخبرة الجينية في إثبات النسب تتطلب رؤية متنورة تعطي الأولوية لحقوق الطفل، وتوازن بين التطور العلمي ومتطلبات دولة القانون، لضمان نظام قانوني يعكس التزامات المغرب الدستورية والدولية ويضع مصلحة الطفل الفضلى في صميم أي إصلاح تشريعي مستقبلي.
بقلم أسامة الناصر: باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية
تعليقات 0