آش نيوز - الخبر على مدار الساعة - اخبار المغرب وأخبار مغربية

H-NEWS آش نيوز
آش نيوز TV22 يناير 2025 - 18:30

إحسان الحافظي يكتب: كيف نقرأ الحصيلة الأمنية؟

الباحث والأستاذ الجامعي تحدث عن تداعيات فشل الحكومات التي تؤثر في تدبير العمل الأمني

إحسان الحافظي

كيف نقرأ الحصيلة السنوية للأمن؟ سؤال يبدو طارئا وسط حجم الأرقام المعلنة والإنجازات المحدثة والجهود المبذولة من قبل المؤسسة الأمنية لتدعيم الشعور العام بالأمن ومكافحة الجريمة.

منسوب الثقة في المؤسسة الأمنية

في الواقع لا يحتاج تقييم الأداء الأمني إلى أرقام ولا حتى إلى حصيلة، لأن منسوب الثقة في المؤسسة الأمنية من أكثر المستويات استقرارا في كل استطلاعات رأي المغاربة التي أجرتها مؤسسات وطنية ودولية، ولأن كبريات المؤسسات الأمنية والاستخباراتية العالمية تسابق لعقد شراكات تعاون وتنسيق مع المغرب بحثا عن الأمن، وهذا واقع لم يعد خافيا على أحد بفضل استراتيجية عمل تحولت إلى “براديغم” أمني مغربي مطلوب من دول عريقة في التقاليد الأمنية، نموذج يجعل من المغرب فاعلا رئيسيا في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود، وعامل استقرار إقليمي ودولي في محيط جغرافي متوتر وبجوار نظام عسكري يحترف افتعال الأزمات وإشعال الحرائق.

امتدادات دولية وارتدادات سياسية

هذه صورة مصغرة عن المُنجز أمنيا، له امتدادات دولية وارتدادات سياسية تحت مسمى الدبلوماسية الأمنية نجحت في ترسيخ صورة جماعية عن المغرب كفاعل في الاستقرار والأمن الدوليين. لا أحد يُنكر اليوم الدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية المغربية في تجنيب كثير من الأمم والأنظمة مشاريع إرهابية تخريبية بفضل ذاكرة استخباراتية قوية راكمتها المملكة في مجال مكافحة الإرهاب وتتبع ديناميته منذ نشأته الأولى تحت مسميات الجهاد والقاعدة ولاحقا داعش. وليس خافيا كذلك المساهمات الأمنية المغربية في إدارة التظاهرات العالمية بطلب من الدول المستضيفة، سواء في الشق المتعلق بالأمن السيبراني أو الاستعلام أو بإدارة الجماهير.

السياسات الحكومية تحولت إلى آلية لإنتاج الجريمة

لكن لنتحدث عن غير المنجز سياسيا وحكوميا، فمؤشرات الجريمة أو ما يسمى “معدل الزجر” الذي بلغ 755 ألف و541 جريمة/قضية مرتفعة بشكل ملحوظ. بحياد مؤسساتي، استخدم تقرير المديرية العامة للأمن الوطني عبارة “استقرار وثبات في إجمالي عدد القضايا الزجرية المسجلة”، لكن الحقيقة غير المحايدة أن هذا الرقم يسائل فشل السياسات العمومية للحكومة التي تحولت إلى آلية لإنتاج الجريمة، ووضعت ثقل تداعيات هذا الفشل على المؤسسة الأمنية التي تتولى وحدها إدارته وتدبير تمظهراته سواء في الشارع العام أو داخل أوكار الجريمة. إن الجريمة بهذا المعنى ليست حدثا أمنيا فقط، بل هي نتاج سياسات عمومية فاشلة، والأخطر من ذلك أن بعض العدميين يستغلونها في فبركة الأخبار والصور للافتراء على المؤسسة الأمنية ورجالاتها.

الانتقال من وضعية السخط إلى حالة الجريمة

قبل سبع سنوات، استبق جلالة الملك التنبيه إلى ما يمكن أن نطلق عليه “تجفيف منابع الاحتقان”، وذلك حين تحدث عن فشل السياسة والسياسات ودورهما في تأزيم الأوضاع والفراغ الخطير الذي تولداه. ففي خطاب العرش لسنة 2017، بيَّن الملك كيف أن القوات العمومية تجد نفسها وجها لوجه مع الساكنة و”كأن الأمن هو المسؤول عن تسيير البلاد ويتحكم في الوزراء والمسؤولين وهو أيضا الذي يحدد الأسعار..”. إن حالة الاحتقان التي تتولد عن فشل السياسات العمومية في قطاع التشغيل والصحة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافة والإعلام والصحة والأسرة وغيرها.. كلها عوامل قادرة على أن تنتقل بالأفراد من وضعية السخط إلى حالة الجريمة، وهذه حقيقة علمية تدعمها الاتجاهات الحديثة لمدارس علم الإجرام اليوم، إذ لم تعد تقتصر في تفسير الظاهرة الإجرامية على العوامل النفسية أو القيمية دون العامل الاجتماعي كمحدد أساسي لنمو معدلات الجريمة.

استقالة مؤسسات التنشئة

بالنتيجة، لا يوجد الحل في الزجر فقط. ورغم أن الأرقام المعلنة من قبل المديرية العامة للأمن الوطنية مهمة باعتبار معدل الزجر، بمعنى استجلاء حقيقة الجرائم المسجلة، بلغ 95 في المائة، إلا أن هذا الرقم بقدر ما يكشف حجم الجاهزية والجهود المبذولة في التعاطي مع مختلف أنواع الجريمة وفق مقاربة أمنية تستند على صحة الإجراءات وسلامة العمليات، بقدر ما يفضح فشل السياسات الحكومية والبرامج والمشاريع واستقالة مؤسسات التنشئة من القيام بوظائفها التقليدية في تأطير المجتمع وتحصينه.

البعد الحقوقي في العمل الأمني

إن هذه الوضعية تدعم أطروحة العدمية التي تتصيد استهداف المؤسسة الأمنية، وبذلك فالحكومة تقدم خدمة مجانية وتضع عبئا أكبر على الأمن، الذي يشتغل طويلا على محو الصورة النمطية وتكريس ثقافة التواصل وشفافية المرفق الأمني من خلال دوريات ومذكرات مصلحية تعزز البعد الحقوقي في العمل الأمني. مقابل كل هذه المجهودات تولد السياسة المزيد من الأزمات والفضائح التي تعود السياسيون على تصدير نتائجها الاجتماعية لأجل التدبير الأمني. إن مسألة الأمن الوطني فكرة قانونية بالأساس، تستند إلى حق الدولة في حماية أمنها. وهي مظهر من مظاهر السيادة، ويترتب عن ذلك أن لها الحق في وضع الخطط واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الأمن، لكن أن تتحول السياسات العامة إلى عامل محفز على الاحتقان، فإن هذا يطرح علامات استفهام كثيرة حول الدولة الاجتماعية التي يفترض أن تقدم حلولا تخدم في النهاية تجفيف العوامل السوسيولوجية للتوتر والاحتقان وتخفيف العبء على المقاربة الأمنية.

إحسان الحافظي: أستاذ جامعي

Achnews

مجانى
عرض