في وقت ينشغل فيه ملايين المسلمين حول العالم بإحياء ليلة القدر بالدعاء والقيام وتلاوة القرآن، تشهد بعض المناطق المغربية، خاصة في الأحياء الشعبية، انتشارا مقلقا لممارسات السحر والشعوذة، بالتزامن مع ليلة 27 رمضان التي يعتقد كثيرون أنها ليلة القدر.

وتسجل هذه الممارسات في محيط بعض “الرقاة” والمشعوذين الذين يستغلون قدسية المناسبة لتحقيق مكاسب مادية، وسط غياب الوعي الديني وضعف الخطاب التوعوي، في مشهد يخلط بين التدين الشعبي والخرافة.

تحذيرات شرعية من استغلال الشعوذة لروحانية ليلة القدر

وأكد علماء الشريعة أن اللجوء إلى السحر في ليلة القدر يعد من الكبائر المحرمة، بل ويخرج صاحبه عن جوهر العقيدة الإسلامية، مشددين على أن هذه الليلة المباركة فرصة للرجوع إلى الله لا لتغذية الجهل والانحراف.

ويرى المختصون في العلوم الشرعية أن هذه التصرفات تشوه صورة الدين والمجتمع المغربي المتدين بطبعه، وتحول إحدى أعظم الليالي إلى موسم لجني الأرباح من الوهم، في خلط خطير بين القداسة والضلال.

تصورات مغلوطة وتراكمات ثقافية تحتاج تفكيكا

ويفسر المتخصصون انتشار هذه الظواهر بتراكمات ثقافية واجتماعية لم تعالج بالشكل الكافي، حيث ترسخت لدى البعض أفكار خاطئة حول “قوة” ليلة القدر في تفعيل الأعمال السحرية، ويؤكدون أن هذه التصورات المغلوطة تتطلب تدخلا تربويا ودينيا وإعلاميا لتصحيحها في أذهان فئات واسعة من المواطنين.

ويشدد المهتمون على أن محاربة هذه الظاهرة لا يجب أن تبقى حبيسة المساجد والفتاوى، بل يجب أن تتسع لتشمل المجال القانوني والأمني، من خلال تفعيل القوانين التي تجرم السحر والشعوذة، وملاحقة من يستغلون جهل الناس في لحظات ضعفهم العاطفي أو النفسي.

ويؤكد المحللون أن تطبيق القانون المغربي المتعلق بمكافحة الشعوذة ما زال يفتقر إلى التفعيل الجاد والمنتظم، خصوصا خلال المناسبات الدينية التي تشهد ارتفاعا في الطلب على هذه “الخدمات”.

دور الإعلام والتواصل في المواجهة

ويبرز دور الإعلام كأداة مركزية في التوعية، إذ يدعو المختصون إلى إنتاج محتوى رقمي بسيط ومباشر بلغة مفهومة لفئات المجتمع المستهدفة، خاصة النساء والشباب، لمحاربة الخرافة وتعزيز ثقافة التوكل على الله والعقل السليم.

كما يتم التأكيد على ضرورة إشراك العلماء والمربين والمؤثرين الإيجابيين في البرامج الرمضانية، لتوجيه الخطاب نحو قيم الرحمة والدعاء والعمل الصالح، بدل الاستسلام لأوهام السيطرة والطلاسم والتعاويذ.

الشعوذة.. خطر وليس موروثا

ويعتبر ملاحظون بأن السحر ليس تراثا ثقافيا بريئا كما يروج له أحيانا، بل خطر حقيقي يمس الدين والعقل والمجتمع. وفي ليلة القدر، لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت الرجاء والتضرع لله، بعيدا عن أوهام الشعوذة والتأثير المزعوم للطلاسم. ففي هذه الليلة المباركة، ينبغي للمسلم أن يرفع يده لله، لا أن يطرق أبواب المشعوذين، فـ”الدعاء هو السلاح الأقوى، وليس “الحروز” أو التمائم.