قدم عبد الله بوصوف، خلال محاضرة علمية نظمتها كلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء ضمن أنشطة مختبر الفكر الإسلامي والترجمة وحوار الحضارات، قراءة معمقة بعنوان “الإسلام في أوروبا بين الأمس واليوم”، استعرض فيها تحديات الحضور الإسلامي في القارة الأوروبية، مستلهما من تجربة الأندلس نماذج حضارية قابلة للتوظيف في السياقات المعاصرة.

الأندلس كنموذج للتوازن بين الهوية والانفتاح

واستهل بوصوف مداخلته بتفكيك ملامح التجربة الإسلامية في الأندلس، التي نجحت في تحقيق معادلة دقيقة بين الحفاظ على الخصوصية الدينية والانفتاح الحضاري. وأوضح أن هذا النموذج بني على ثلاثة مرتكزات رئيسية: العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني، وهي روافد وفّرت للمجتمع الأندلسي إطارا مرجعيا متينا ومرنا في آن واحد.

أهمية العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي

وأكد بوصوف على دور العقيدة الأشعرية كخيار عقدي وسطي ينبذ التشدد والغلو، ما يجعلها مناسبة لمسلمي أوروبا اليوم، في ظل ما تواجهه هذه الجاليات من تحديات فكرية وتيارات متطرفة. وفي السياق نفسه، شدد على المذهب المالكي لما يتميز به من مرونة فقهية وقدرة على التكيف مع أنماط الحياة والقوانين الأوروبية، مع الحفاظ على الأصالة الفقهية.

وفي جانبه الروحي، اعتبر بوصوف أن التصوف السني يمثل دعامة أساسية لتعزيز قيم الانفتاح والتسامح، مشيرا إلى أن تفعيل هذا البعد يعزز اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الجديدة دون التفريط في الهوية الدينية، وهو ما يمثل حلا عمليا لمواجهة حالات الانغلاق أو الشعور بالاغتراب.

دور إمارة المؤمنين كإطار ضامن

وأشار بوصوف إلى أهمية وجود مرجعية مؤسساتية لضمان تدبير عقلاني ومنظم للشأن الديني، مبرزا أن إمارة المؤمنين توفر هذا الإطار من خلال حماية الحريات الدينية، وتقديم الدعم الروحي والفقهي لمسلمي الخارج، ما يساهم في صد التيارات المتصارعة ويعزز الأمن الروحي للجاليات.

واختتم بوصوف محاضرته بالتأكيد على أن نجاح الإسلام في أوروبا رهين بمدى القدرة على استلهام التجربة الأندلسية وتجديد مقوماتها بما يتناسب مع السياق الأوروبي الحديث، داعيا إلى بلورة نموذج ديني يحقق التوازن بين الثوابت والانفتاح، ويعزز صورة الإسلام كفاعل إيجابي في نشر السلام والتعايش المشترك.