من الحق في المعرفة إلى الحق في الغش

يعتبر الغش سلوكا مرفوضا تربويا وأخلاقيا في جميع المجتمعات، وينظر إلى مرتكبه نظرة دونية، ولكن رغم ذلك يلجأ العديد من الناس إليه حين يعجزون عن الوصول بطرق سوية إلى أهدافهم، سواء في مجال العمل أو الدراسة أو السياسة أو أي مجال اخر.
والخطير هو عندما يتحول هذا السلوك من سلوك غير سوي ومرفوض إلى سلوك مكتسب وحق من الحقوق. وهنا يمكن الحديث عن اختلال في المنظومة المجتمعية. ونخص بالذكر هنا المنظومة التربوية، والتي تتحمل مجموعة من الأطراف ما آلت إليه، بدءا بالأسرة ثم المدرسة، وصولا إلى وسائل الإعلام التقليدية والحديثة.
لقد تفشى الغش في الوسط المدرسي والجامعي، ولم يعد يخجل التلاميذ والطلبة من الدفاع علانية عن “حقهم” في الغش، بل ويجدون له تبريرات كثيرة مثل ضغط الامتحانات وصعوبة وطول المقررات الدراسية وتصوير الغش كوسيلة لتحقيق العدالة في ظل تباين فرص الدعم والجودة التعليمية مقارنة بما يتلقاه أبناء الطبقة الغنية في المدارس الخاصة.
إن من بين مسببات انتشار هذه الظاهرة ضعف القيم التربوية داخل الأسرة والمدرسة و الضغوط النفسية الرهيبة التي يتعرض لها التلميذ من طرف الأسرة ومحيطه وغياب أو تغييب القدوة والنماذج الصادقة في المجتمع من خلال تصوير أن الدراسة لم تعد وسيلة للارتقاء الاجتماعي، في مقابل تسويق نماذج من قبيل المؤثرات والمؤثرين التافهين والذين لا مستوى دراسي لهم على وسائط التواصل الاجتماعي، على أنها النجاح كله، ومنظومة تعليمية ترتكز على الحفظ والاجترار أكثر من الفهم والاستيعاب وتنمية الحس النقدي لدى التلميذ والطالب والتركيز على الكم والنسب المئوية للناجحين. بالإضافة بالطبع إلى التساهل مع حالات الغش، مما يخلق تطبيعا عاما مع الظاهرة، فكيف يعقل أن يرافق الأب أو الأم ابنته أو ابنه من أجل طبع الوثائق التي تستعمل في الغش، بل في بعض المرات يشجعه على الغش “إلا كانت القضية مرخوفة”ن أو كما يقول التلاميذ “راه اليوم تعاملوا معانا خلاونا ندوزو النقلة”. و هنا تحضرني ذكرى قديمة عندما كنا بصدد اجتياز الامتحانات الإشهادية للمستوى السادس ابتدائي، قام الأستاذ الذي كان يراقبنا بكتابة الأجوبة على السبورة.
إن ظاهرة الغش المدرسي تساهم في فقدان الثقة في قيمة الشهادات والدبلومات. وتضرب في مقتل أهم مبدأ في هذه الحالة وهو مبدأ تكافؤ الفرص بين المتبارين، بالإضافة إلى خلق أجيال تعتمد على التلاعب والغش والطرق الملتوية بدل الكفاءة والاستحقاق.
إن الغش يعتبر انحرافا وتهديدا خطيرا لمستقبل المجتمع وليس حقا، وخاصة لدى الفئات الشابة (التلاميذ والطلبة)، والتي ستشكل فيما بعد نساء ورجال هذا البلد، ولكم أن تتخيلوا ماذا سيقع عندما يصل هؤلاء الغشاشون الى مناصب المسؤولية والتسيير.
بقلم: هشام بنوشن (باحث في العلوم السياسية)
تعليقات 0