احتجاجات مستشفى الحسن الثاني تفشل جولات التهراوي
تزامنت مع البرنامج الذي سطره وزير الصحة لزيارة مراكز صحية في مجموعة من المدن

عاش المغاربة، على وقع صدمة أن يصبح المواطنون المغاربة، لكي يحصلوا على الحق في العلاج، عليهم أن يكشفوا عوراتهم وأجسادهم وأسرارهم الصحية للعالم، في عهد تقلد فيه شاب وسيم يسمى أمين التهراوي، حقيبة الصحة والحماية الاجتماعية. وزير يتقن الرقص في الأنشطة الحزبية ولا يتقن تلبية الحاجة في العلاج للمغاربة، ولا سيما فئة الأطفال والرضع الذين يتمتعون بحقوق كونية أولى من حقوق الكبار.
لم يعهد المغاربة أن يتم الاحتجاج من أجل المطالبة بالطبيب، إلى أن عشناها في عهد أمين التهراوي. فقد المرضى كرامتهم واحتج الكبار والشباب والمراهقون والنساء مطالبين بتطبيب وعلاج رضيعة، في سلوك دخيل على ثقافتنا ولم يسبق لنا أن عشناه كمغاربة إلا في عهد الوزير الحالي، والذي دفع المرضى وذويهم إلى ابتكار أساليب الاحتجاج بالأجساد، إذ لم يعد المرض شأنا شخصيا ذا طابع سري يدخل في الخصوصية، بل أصبح شأنا مجتمعيا عليك أن تكشف عنه ليساندك الناس في وقفة احتجاجية أمام المستشفى تطالب من ورائها بالحق الكوني في العلاج والتطبيب.
الاحتجاج بأجساد الرضع
وفي الوقت الذي برمج وزير الصحة أمين التهراوي، زيارات ميدانية لجميع مستشفيات المغرب، للوقوف على مكامن الخلل في المنظومة الصحية، وقف أب مكلوم أمام مستشفى الحسن الثاني بأكادير، يحمل بين ذراعيه ابنته الرضيعة، المريضة، التي أنهكها الانتظار وأوجعها الإهمال والداء، ليفشل جولة الوزير. أب لم يطلب امتيازا، بل فقط العلاج لطفلته ضمانا لحقها الكوني المكفول بمقتضى كل القوانين والمعاهدات والدساتير العالمية، إنه الحق في الصحة، لكن، وكما يحدث في كثير من الحالات، لا آذان صاغية، إلى أن قرر أن يرفع صوته وأن يحتج، أن يقف وجها لوجه مع الألم واللا مبالاة، في وقفة احتجاجية أمام باب المستشفى، سودت وجوهنا أمام المنتظم الدولي.
تغيرت أنماط وأساليب و طرق وآليات الاحتجاج وأصبحنا نرى الاحتجاج بأجساد الرضع. هذه المشاهد التي لم نرضاها كشعب مغربي حريص على أنفته وكرامته، تناقلت صورها ومشاهدها قنوات ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في مشهد حاط بالكرامة.
حين يتحول المرض إلى أداة ضغط
بعدها خصت المديرة الجهوية للصحة أب الرضيعة باستقبال خاص، وتدخل وزير الصحة شخصيا، وتكفلت الوزارة بعلاج الطفلة على نفقتها الخاصة. كل هذا بعد أن أصبح الحرج أكبر من أن يحتمل، وبعد أن أصبح الأب والرضيعة قضية رأي عام.
لماذا لم تعالج الرضيعة في الوقت المناسب؟ لماذا لا يتحرك القطاع الصحي إلا تحت الضغط الإعلامي؟ لماذا على المواطن أن يذل نفسه ويكشف أوجاعه للكاميرات حتى يحصل على حقه الدستوري؟ هل أصبحت الكرامة الإنسانية رهينة “البوز” و”الترند”؟ هل المواطن المغربي مواطن من الدرجة الثانية حتى يضطر إلى الاحتجاج ليُرى ويُسمع؟ أين دور المؤسسات؟ أين منظومة التكفل الصحي؟ أين المسؤولون عن رصد الحالات المستعجلة والحرجة؟
ما حدث ليس إنجازا للوزارة، بل إدانة واضحة لها. لأن النجاح الحقيقي لا يقاس برد الفعل، بل بالفعل المسبق. لأن الطفلة كان من الممكن أن تعالج في صمت، بكرامة، دون أن يتحول المرض إلى أداة ضغط.
مراجعة شاملة لمنظومة الصحة
المطلوب اليوم ليس مجرد علاج حالة بعد ضجة، بل مراجعة شاملة لمنظومة الصحة، وتطهيرها من مظاهر الإهمال والتسيب، وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة.
المواطن لم يعد يحتمل مزيدا من الانتظار في طابور الذل. إما أن تكون الصحة حقا مكفولا بالفعل، أو فلنعلن رسميا أن الفقير لا مكان له في حسابات الوزارة. الطفلة اليوم تعالج، لكن ماذا عن غيرها؟ كم من رضيع آخر، وكم من أم، وكم من شيخ، ينتظر في صمت لا يصل صداه إلى الإعلام؟ هؤلاء ليسوا مجرد أرقام… إنهم مواطنون.


تعليقات 0