لا حديث في صفوف المغاربة، منذ مساء أمس الثلاثاء 30 يناير 2024، إلا عن ركلة الجزاء التي أهدرها الدولي المغربي أشرف حكيمي في الدقيقة 84 من الشوط الثاني لمباراة الأسود ضد جنوب إفريقيا، المنتهية بإخفاق مرير بهدفين دون مقابل، أخرجهم من الدور ثمن النهائي لبطولة كأس أمم أفريقيا “كان”.
وعلى غرار الناخب الوطني وليد الركراكي، التمس الكثيرون العذر لحكيمي، الذي عاش لحظات عصيبة بعد تضييعه فرصة تعديل النتيجة بهدف لمثله، حيث أطلق تسديدة قوية للغاية، اصطدمت بالعارضة وخرجت بعيدا عن المرمى، رافضين تحميله مسؤولية إقصاء المغرب من “كان 2023″، بدعوى إخفاق العديد من لاعبي الكرة المتفوقين في هذه المهمة الصعبة خلال مباريات حاسمة. فما هو السبب وراء ذلك؟
تأثير العواطف
في دراسة بعنوان “سيكولوجية ركلات الجزاء: تأثير العواطف على أداء منفذي ركلات الجزاء وحارس المرمى“، حلل الباحث النرويجي جير جورديت، وهو أستاذ في المدرسة النرويجية لعلوم الرياضة، جميع ركلات الترجيح (359 ركلة) في ثلاث بطولات كبرى لكرة القدم هي كأس العالم، وكأس الأمم الأوروبية، ودوري أبطال أوروبا، خلصت إلى أن أن اللاعبين الذين فازوا مؤخرا بجوائز عالمية مرموقة كالجائزة السنوية لأفضل لاعبي كرة قدم في العالم، كان أداؤهم في ركلات الترجيح أسوأ من نظرائهم.
أعباء نفسية
وأوضح جورديت أن الآمال العالية التي تعقدها الجماهير على اللاعبين الكبار في المباريات المهمة، حيث يصبح إحراز الهدف الوسيلة الوحيدة لقياس أدائهم، يثقل كاهلهم ويعرضهم لمزيد من الضغوطات والقلق والتهديد لصورتهم الإيجابية، إذ يكونون -شأنهم شأن باقي الأشخاص العاديين- في حاجة للشعور برضا المشجعين وتقديرهم وإشادتهم، الذي يعد مقياسا لنجاحهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
شعور بالاختناق
ولتفسير ما يقع في أدمغة اللاعبين خلال لحظات تسديد ركلات الجزاء، قام خبراء بكلية الهندسة الكهربائية والرياضيات وعلوم الحاسوب بجامعة “توينتي” الهولندية، بتركيب سماعة رأس مزودة بماسح ضوئي للدماغ (يستخدم التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء) لعدد من لاعبي كرة القدم المبتدئين والمحترفين عند تسديدهم لضربات جزاء في ظروف مختلفة (تحت الضغط ودونه)، أكدت شعور اللاعبين بالاختناق أثناء تنفيذ الركلات لسببن رئيسيين: التركيز الزائد على الذات، وسهولة الإلهاء والاستسلام إلى عوامل التشتيت.
التركيز الزائد على الذات
وتابع الخبراء الهولنديون في دراستهم، أن الضغوطات الشديدة التي تقع على عاتق اللاعب تزيد من وعيه بذاته بشكل سلبي، يجعله يراقب خطواته بحذر شديد، ويحاول التحكم في مهاراته قدر الإمكان، ما يمنعه من متابعة لعبه بتلقائية تمكنه من إحراز الهدف، بينما يشتت القلق المفرط تركيزه على تسديد الركلة، لأمور أخرى لا علاقة لها بالمهمة، كأن تستحوذ على تفكيره بعض الهواجس من قبيل: “ماذا لو أخطأت في إحراز الهدف وكان ذلك السبب الرئيسي في خسارة البطولة؟”.
وأثبتت الدراسة ذاتها، أن ازدياد قلق الرياضيين المحترفين يرفع معدل نشاط الفص الصدغي الأيسر في أدمغتهم، وهو الجزء المسؤول بصورة رئيسية عن فهم الكلام وحفظه وتشكيله وإعطاء تعليمات معينة لأنفسنا، إذ اتضح معاناة اللاعبين من التفكير المفرط خلال لحظات تسديدهم لركلات الجزاء، ما يقوض مهاراتهم التلقائية ويؤثر سلبا على طريقة لعبهم.
مواجهة حارس المرمى
وفي دراسة أخرى أجراها الخبير الهولندي جورديت بعنوان “لماذا يفشل لاعبو كرة القدم الإنجليز في تسديد ركلات الجزاء؟”، أكد هذا الأخير أن مواجهة اللاعب لحارس المرمى، تعد أحد الأسرار النفسية لنجاح اللاعبين الإيطاليين في كرة القدم (تحديدا ركلات الجزاء)، وهي مواجهة اللاعب لحارس المرمى، مبرزا أن فرصة التواصل البصري المطول بين الخصمين تجعل من ركلات الترجيح مواجهة نفسية فريدة لا توجد عادة أثناء الطبيعة المرنة للعب العادي.
ومن ضمن أكبر الفرق الأوروبية الثمانية، يتمتع لاعبو كرة القدم الإيطاليون بثاني أعلى معدل في عدم تجنب مواجهة حارس المرمى (عبر إدارة ظهورهم)، و”التحديق المباشر” في وجه الحارس، تضيف الدراسة، مسترسلة “الحقيقة التي قد لا نفطن إليها عادة هي أن حراس المرمى يقيمون اللاعبين الذين ينظرون بعيدا عنهم ويتهربون من التواصل البصري أثناء ضربات الجزاء، بأنهم أقل ثقة في أنفسهم، وأقل احتمالية لتسجيل الهدف..من الطبيعي أن الشعور بالقلق يضعف الأداء، ولكن عندما تظهر ذعرك إلى خصمك، فإنك تزيد من ثقته في قدرته على هزيمتك، بالتالي يستمد من خوفك الطاقة لتهدئة نفسه”.
التعليقات 0