بين الصحافة والاستثمار في “الطون”

الراغب في الاستثمار في أجمل بلد في العالم، مثله مثل المقدم على الانتحار. فالمبادرة لا تخلو من شجاعة، لكن مآلها الموت حتما، إن لم يحظ صاحبها بالإسعافات اللازمة، وفي الوقت المناسب.
والاستثمار في الصحافة بالذات، في المغرب، محفوف بالمخاطر، في بيئة لا تحب القراءة وتستهلك التفاهة والأخبار الكاذبة المزيفة وفيديوهات “المعاطية” و”جيب يا فم وقول”. وكل من دخل غمار مهنة المتاعب، عليه إما أن ينسجم مع التيار السائد، وإلا غرق في بحر “أخلاقيات المهنة” وأصولها، التي لم تعد تغري بالمشاهدة أو المتابعة، في بلد يعاني أبناؤه الجهل والأمية والتخلف.
كل ما يتم تداوله في وسائل الإعلام حول المبادرات التي تقوم بها الحكومة ومؤسسات الدولة من أجل تشجيع الاستثمار والمقاولات الصغرى والصغيرة جدا، كلام للاستهلاك “السياسي”، لا علاقة له بالواقع تماما. فالأبناك لا تثق في المقاولات الصغيرة ولا في المستثمرين الشباب، خاصة حين يتعلق الأمر بالصحافة والإعلام، كما يحتكر قروضها الضخمة الأثرياء وأصحاب المقاولات الكبرى الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، وكيف تؤكل. وحتى إن منحت قرضا لمقاولة صغيرة، “تفرعها” بنسبة الفائدة، ناهيك عن الشروط و”الأوراق” والوثائق التي لو كانت تملكها هذه المقاولة لما احتاجت إلى الاقتراض أصلا.
وبعيدا عن الأبناك والمؤسسات المصرفية وسياستها الفاشلة في تقديم القرض من عدمه، توجد وكالات الإعلانات، والتي تتوسط بين المؤسسة الراغبة في الإعلان والمقاولة الصحافية، والتي تفرض نسبة مائوية عن كل إعلان تأخذه الصحيفة أو الموقع الإلكتروني، لا يتناسب بتاتا مع مبلغ الإعلان الذي لا يكاد يكفي أجرة صحافي واحد، دون الحديث عن التأخر في أداء الفواتير و”سير وآجي” وجميع أنواع البيروقراطية التي اندثرت حتى من المقاطعات، لكنها لا زالت معششة في بعض الرؤوس.
والشيء نفسه ينطبق على دعم الدولة للمقاولات الصحافية، في مجال تنتصر فيه العشوائية والفوضى وتسود فيه الحوانيت الإلكترونية و”صحافة الكيلو”، التي لا يمكن أن ينظمها “أجدعها” مجلس صحافة، و”تلهف” فيه المؤسسات الصحافية الكبرى القسم الأكبر من “الكعكة”، تاركة الفتات إلى المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا، التي لا ينالها من الدعم نصيب.
الصحافة مهنة نبيلة، والاستثمار فيها بدون شك مدر للربح، خاصة في عصر “اليوتوب” و”فيسبوك” ومنصات التواصل الاجتماعي، كما أنها تقدم خدمة جليلة للمواطنين والدولة، إذا مورست وفق الأصول، بعيدا عن “البلطجة” والابتزاز وغيرها من الممارسات التي جعلت مهنة المتاعب تمرغ في الوحل. لكن، في هذا البلد، الذي يحب مواطنوه أن يعمروا “الكرش” بدل العقل، يستحسن الاستثمار في محل لبيع “الطون”. ستكون المغامرة أكثر أمانا وأقل “ستريسا” وأكثر مردودية بالتأكيد.
تعليقات 0