آش نيوز - الخبر على مدار الساعة - اخبار المغرب وأخبار مغربية

H-NEWS آش نيوز
آش نيوز TV1 أبريل 2025 - 09:46

الحرب الإعلامية المغربية الجزائرية.. الخاسر والمستفيد

بعد سنوات من التوترات السياسية والدبلوماسية ينتقل الصراع بين البلدين إلى المنصات الرقمية

هشام بنوشن

شهدت العلاقات المغربية-الجزائرية، على مر السنوات، العديد من التوترات والصراعات السياسية والدبلوماسية. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الجديدة، انتقل هذا الصراع إلى الفضاء الرقمي الافتراضي، حيث أصبحت المنصات الرقمية ساحة حرب كلامية بين نشطاء ومؤثرين وإعلاميين وحتى مواطنين عاديين من كلا البلدين. وفي ظل هذا الوضع، يطرح السؤال التالي: من هو الخاسر الحقيقي؟ ومن المستفيد من هذه الحرب الإعلامية؟

طبيعة الحرب الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي

انتقلت الخصومة بين البلدين، مع الثورة التكنولوجية التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة، من الخلافات الدبلوماسية التقليدية، إلى الفضاء الرقمي، حيث يتم تراشق وتبادل الاتهامات ونشر الأخبار الزائفة والتحريض المتبادل. وتتضح هذه الحرب جليا من خلال مجموعة من المظاهر، من بينها:

  1. الحملات الإعلامية التضليلية: حيث يتم نشر الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة عن كل طرف، ما يؤدي إلى تعزيز الصور النمطية السلبية وتأجيج الصراع.
  2. التراشق الكلامي بين النشطاء والإعلاميين: كثير من المؤثرين على منصات مثل”فيسبوك” و”تيك توك” و”يوتوب” و “إكس” (تويتر سابقا)، يكرسون محتواهم للهجوم على الطرف الآخر بدلا من تقديم رؤية منطقية ونقدية متوازنة وفي مصلحة الشعبين.
  3. استغلال الأزمات والأحداث السياسية: كلما حدثت أزمة جديدة، سواء كانت مرتبطة بالصحراء المغربية أو بقضايا اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، تتجدد موجات الهجوم المتبادل، ويتم تأجيج المشاعر الوطنية من الجانبين واشعال فتيل المواجهات الرقمية.
  4. نشر الكراهية الافتراضية أو الرقمية: حيث يتم تكريس عقلية أو فكرة “إنهم أعداؤنا”، مما يزيد من الشرخ والتنافر بين الشعبين الذي يحد بالتالي من فرص الحوار والتقارب.

الخاسر الأكبر: الشعوب والوعي الجمعي

ورغم أن النظامين المغربي والجزائري قد يستفيدان من تصاعد هذه الحرب الإعلامية الرقمية في بعض الأحيان، إلا أن الخاسر الأكبر هو المواطن العادي في البلدين. فبدل تعزيز العلاقات والروابط التاريخية والثقافية المشتركة، تزداد الهوة والفروق بين الشعبين بسبب التضليل الإعلامي والمعلومات المغلوطة:

  1. تآكل الوعي العام: فبدلا من تقصي الحقيقة والتحقق من الأخبار المنشورة، أصبح كثير من المستخدمين يتلقون المعلومات دون تمحيص والتأكد من صحتها، مما يساهم في انتشار الدعاية الموجهة والأخبار الزائفة.
  2. تراجع وإضعاف فرص التقارب والتعاون: كان من الممكن أن تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز التقارب والتفاهم بين الشعبين، لكنها تحولت إلى وسيلة لزيادة العداء بينهما.
  3. عدم الاهتمام بالأولويات الحقيقية: حيث يتم استغلال هذا الصراع الإعلامي في الفضاء الرقمي لصرف الأنظار عن القضايا الأهم التي يجب أن تستأثر باهتمام الشعبين مثل التنمية الاقتصادية ومشاكل البطالة والتعليم والديمقراطية.

المستفيدون من هذه الحرب الإعلامية

تستفيد مجموعة من الجهات، سواء داخلية أو خارجية، من استمرار هذه الحرب الإعلامية الرقمية بين البلدين الجارين:

  1. الإعلام الموجه: القنوات الإعلامية، سواء الرسمية أو الخاصة، تستغل هذا الصراع لزيادة نسب المشاهدة والتفاعل وخلق ما يسمى “البوز”، حيث تدرك أن المحتوى المتحيز والجريء والخارج عن المألوف يجذب جمهورا واسعا.
  2. الأنظمة السياسية: يستخدم كل من النظامين الجزائري والمغربي هذه الحرب الإعلامية كوسيلة لتوجيه الرأي العام وصرف الأنظار عن المشاكل الحقيقة الداخلية لكل بلد.
  3. الجهات الخارجية: تستفيد أطراف إقليمية ودولية من استمرار النزاع بين المغرب والجزائر، لأن أي تقارب بين البلدين قد يؤدي إلى تكوين تكتل اقتصادي وسياسي قوي في شمال إفريقيا، خاصة مع ما يتمتع به البلدان من ثروات طبيعية كبيرة (الغاز والبترول والفوسفاط…..).

هل هناك مخرج؟

رغم سوداوية وقتامة الصورة، يظل هناك أمل في تجاوز هذه الحرب الإعلامية من خلال:

  1. تعزيز الوعي الإعلامي: وذلك عن طريق توعية مواطني البلدين بأهمية التحقق من الأخبار وعدم الانجرار وراء العناوين المثيرة الهادفة إلى زرع العداء بين البلدين.
  2. تشجيع الحوار البناء: فبدلا من التراشق اللفظي بين مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن تكون هذه الوسائل منصة للنقاش الهادئ والهادف إلى تقريب وجهات النظر بين البلدين.
  3. العمل على إبراز القواسم المشتركة: فالمغرب والجزائر يتقاسمان إرثا تاريخيا وثقافيا مشتركا، ويجب السعي لأن يكون ذلك ركيزة أساسية لبناء علاقات أخوية بين الشعبين.
  4. عدم الانسياق وراء حملات التحريض والكراهية: عبر تبني خطاب معتدل وهادف وبناء وعدم الانخراط في حملات التحريض ونشر الكراهية بين الشعبين الجارين.

بناء وعي ذاتي ونقدي

ختاما، فإن الحرب الإعلامية (الرقمية) بين المغرب والجزائر على وسائل التواصل الاجتماعي، ليست إلا صورة مصغرة لصراعات أعمق وأشمل. والمطلوب هو التعامل معها بحكمة، من أجل تفادي أن يؤدي ذلك إلى أضرار طويلة الأمد ستؤثر لا محالة في مستقبل العلاقات بين البلدين الجارين. والحل يبدأ من وعي الشعوب، فالمعركة الحقيقية ليست في كسب الجدل والصراعات الافتراضية الفارغة، بل في بناء وعي ذاتي ونقدي فعال وقادر على التمييز بين الحقيقة والدعاية وبين المشاكل والقضايا الثانوية وبين الأولويات الوطنية من ديمقراطية وتنمية مستدامة لكلا الشعبين.

بقلم: هشام بنوشن (باحث في العلوم السياسية)

Achnews

مجانى
عرض