الحرب الروسية الأوكرانية الى أين؟
الولايات المتحدة الأمريكية تقتات من الحروب في العالم وفق فلسفة براغماتية تستند إلى مزيد من الرأسمالية والفوضى الخلاقة

تقتات الولايات المتحدة الأمريكية من الحروب في العالم، حيث هناك فلسفة أمريكية معروفة، والتي تدعو إلى ضرورة استمرار الحروب والأزمات والأوبئة في مختلف أرجاء العالم، وهي تستند إلى مزيج من البراغماتية السياسية والرأسمالية العسكرية ونظرية الفوضى الخلاقة. فالولايات المتحدة تتبنى مقاربة براغماتية، وترى في الأزمات وسائل وأدوات لإعادة تشكيل العالم وفقا لمصالحها. وقد سبق للرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور أن حذر سنة 1961 من “المجمع الصناعي العسكري”، وهو عبارة عن تحالف بين الجيش و الشركات الدفاعية والسياسيين الذين يستفيدون من استمرار الحروب. وبخصوص الفوضى الخلاقة، فقد تبنتها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، وتعني خلق أزمات تنتج واقعا جديدا يخدم المصالح الأمريكية، و شاهدنا كذلك كيف تم استغلال الأزمات الصحية مثل كوفيد-19، والتي أظهرت كيف يمكن للرأسمالية الأمريكية استغلال الجوائح، فقد حققت شركات الأدوية مثل “فايزر” و”موديرنا” أرباحا خيالية من اللقاحات و ازداد المليارديرات أمثال جيف بيزوس وإيلون ماسك ثراء أثناء الجائحة بسبب تغير أنماط الاستهلاك.
سيناريو أفغانستان والاتحاد السوفياتي
إن مناسبة الحديث عن هذه الفلسفة الأمريكية هي الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تستنزف أوروبا وتقوم بإضعافها، وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية المستفيد الأكبر من خلال إضعاف روسيا، وذلك عن طريق استنزافها عسكريا واقتصاديا عبر دعم أوكرانيا وإطالة أمد الحرب، ما يعيد سيناريو أفغانستان في الثمانينيات ضد الاتحاد السوفييتي إلى الأذهان. بالإضافة إلى تحجيم أوروبا، حيث عملت على فك ارتباطها بروسيا في مجال الطاقة والاقتصاد، مما زاد من اعتمادها وتبعيتها لواشنطن عن طريق شرائها الغاز والسلاح واستغنائها عن الغاز الروسي الذي كان أقل ثمنا بكثير.
نتج عن كل هذا إضعاف الاقتصاد الأوروبي بسبب ارتفاع كلفة الطاقة والتضخم، ما أثر سلبا على التنافسية الصناعية، خاصة في ألمانيا التي كانت تقود أوروبا. وهذا أثر كذلك على الوحدة الأوروبية وسبب انقساما داخليا حول الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية بين الداعين إلى المفاوضات والمناصرين للحسم العسكري.
تنفيذ التوجيهات الأمريكية
لقد فقدت أوروبا استقلاليتها. وأصبحت سياساتها أقرب إلى تنفيذ التوجهات الأمريكية، ما جعل الحديث عن الاستقلال الاستراتيجي مجرد شعار لا غير.
أما بخصوص الجانب الروسي، فرغم العقوبات الاقتصادية، فقد وجدت أسواقا بديلة مثل الصين والهند، ما خفف من آثار العزلة الغربية. ومن المحتمل أنه إذا طال أمد الحرب وأنهكت أوكرانيا والغرب، قد تفرض روسيا واقعا جديدا سياسيا وعسكريا، ما قد يعيد تشكيل النظام العالمي بعيدا عن الهيمنة الأمريكية.
إن ما قام به الرئيس الأمريكي ترامب من تصرفات تجاه الرئيس الأوكراني، وخاصة أثناء استقباله في المكتب البيضاوي، وكذلك استقبال الرئيس الفرنسي ماكرون، يجب أن تكون درسا لكل أوروبا و العالم، فالحرب الأوكرانية الروسية كانت حربا بالوكالة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، و التي ثبت بما لا يدع مكانا للشك أنها “بلطجي” العالم وتسير به إلى الهاوية، لذلك لا بد من قوة مضادة تعيد للعالم توازنه كما كان الحال عندما كان الاتحاد السوفياتي حيا.
بقلم: هشام بنوشن (باحث في العلوم السياسية)
تعليقات 0