آش نيوز - الخبر على مدار الساعة - اخبار المغرب وأخبار مغربية

H-NEWS آش نيوز
آش نيوز TV1 أبريل 2025 - 06:22

رأي.. حين يصبح الفاسدون صناعا للقرار

الفساد في المجتمعات المتخلفة وغير الديمقراطية منظومة متكاملة تضرب بأسسها في أجهزة الدولة وليست مجرد تجاوز قانوني

هشام بنوشن

لو كتب لفيلسوف العقد الاجتماعي مونتسكيو أن يعود من قبره، هل كان سيصر على أن الدولة الحقيقية لا تتوفر سوى على ثلاث سلط والتي يجب الفصل بينها وأن السلطة تحد السلطة، أم سيضيف لها الفساد كسلطة رابعة بإمكانها القفز فوق هذه السلط، بل والتلاعب بها في نفس الوقت.

المال والنفوذ والعلاقات

عند سماع كلمة السلطة الرابعة يتبادر الى الذهن تلقائيا الصحافة والإعلام، باعتبارها تراقب باقي السلط وتكشف اختلالاتها. لكن في بعض المجتمعات، حيث الفساد متغلغل في أغلب مفاصل الدولة والاقتصاد، نجد أن هناك سلطة أخرى أكثر نفوذا وقوة، سلطة لا تخضع لأي نوع من أنواع المراقبة والمساءلة وترمي بالقوانين خلف ظهرها، إنها سلطة الفساد.

يعتبر الفساد في المجتمعات المتخلفة وغير الديمقراطية، منظومة متكاملة تضرب بأسسها في أجهزة الدولة، وليس مجرد سلوك فردي أو تجاوز قانوني، وتتحكم كذلك في الاقتصاد، وتؤثر في صناعة القرار السياسي. بحيث يصبح الفساد قاعدة وليس استثناء ويتحول إلى سلطة موازية تمتلك أدواتها الخاصة: المال والنفوذ والعلاقات، وفي بعض الأحيان حتى العنف.

الإعلام امتداد لسلطة الفساد

نجد في كثير من الدول أن الفاسدين لا يكتفون بالاختباء والتواري عن الأنظار، بل يفرضون أنفسهم كفاعلين رئيسيين، يقررون من يحكم، ومن يحاكم، ومن ينجو من المحاسبة. بل يصل الأمر أحيانا إلى أن يصبح الفساد نفسه شرعيا عبر قوانين مفصلة على مقاس المستفيدين.

ومن غريب الصدف أن الصحافة التي يفترض فيها أن تكون حارسا للنزاهة، تتحول في أحايين كثيرة إلى أداة طيعة في يد الفساد والمفسدين، حيث تعمل الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية والقنوات التلفزية، على تلميع صور الفاسدين ووضعهم في جبة المصلحين والساهرين على المصلحة العامة، وذلك عن طريق إما إغراء الصحفيين بالمال والامتيازات، أو عن طريق الترهيب والتضييق على من لا يريد الانبطاح لأوامرهم والزج بهم في غياهب السجون بتهم بالية وملفقة، وبذلك يصبح الإعلام مجرد امتداد لسلطة الفساد، يمكيج القبح ويخفي الحقائق.

الصمت تواطئ مع الفساد

إن الأدهى والأمر كما يقال في لغتنا، هو حينما يصبح الفساد أسلوب حياة وحكم، من خلال اللجوء الى خلق ثقافة تبرره وتسوغه، حيث لم يعد ينظر إلى الفاسد على أنه خائن للأمانة وسارق ونصاب وما إلى ذلك من الأوصاف، بل على أنه ذكي و “ولد الوقت” و”ماشي دمدومة” بلغتنا الدارجة، واستطاع النجاة في نظام غير عادل. وهكذا، يفرض نموذج جديد للنجاح قائم على النفوذ والوصولية والانتهازية والرشوة، وليس على الكفاءة والاستحقاق.

إن محاربة الفساد تبتدئ بالإرادة السياسية الحقيقية والقضاء المستقل والإعلام الحر، الذي لا يخاف من كشف الحقائق كما هي، بالإضافة الى أهم مرتكز وهو وعي المواطن بأن الفساد ليس قدرا محتوما، وبالإمكان مقاومته والصراع معه، وأولى الخطوات هي عدم الصمت عن التجاوزات والجرائم في حق الوطن والمواطنين، بحيث يعتبر الصمت في حد ذاته تواطئا مع الفساد.

إن الصراع بين سطوة الفساد وسيادة الحق والقانون ليس نزاعا قضائيا أو سياسيا فحسب، بل هو صراع على ماهية وهوية المجتمع، يقتضي منا الجواب على السؤال التالي: هل نريد دولة يحكمها القانون أم مجتمعا يسوده الفساد فيفرض نفسه كسلطة رابعة…أو ربما أولى؟

هشام بنوشن (باحث في العلوم السياسية)

Achnews

مجانى
عرض