آش نيوز - الخبر على مدار الساعة - اخبار المغرب وأخبار مغربية

H-NEWS آش نيوز
آش نيوز TV17 مايو 2025 - 13:05

من التفكير النقدي إلى التفكير المؤخراتي

ثقافة "البوز" و"الترند" أدت إلى تحول مخيف في مجتمع يطارد الطوندونس المبتذلة على يوتوب

هشام بنوشن

كل تشابه بين الأحداث والوقائع الواردة أسفله وبين الواقع المغربي فهو ليس من وحي الخيال أو محض صدفة. في زمن لم يعد العقل والفكر فيه سيدا الساحة، نعيش في المغرب، كما في كثير من بقاع الأرض، بسبب ثقافة “البوز” و”الترند”، تحولا مخيفا من مجتمعات كانت ترفع من شأن الفكر والمعرفة وتضع على رأسها المفكرين والعلماء، إلى مجتمعات تطارد المؤخرات على تيك توك وإنستغرام وفيسبوك والطوندونس في يوتوب، بكل ما تحمله الكلمة من ابتذال.

زمن التفاهة

لسنا في حاجة إلى دليل علمي لإثبات أننا دخلنا فعليا زمن التفاهة منذ سنوات. يكفي أن ننظر إلى المحتوى الأكثر مشاهدة، والأشخاص الأكثر تأثيرا وحضورا على منصات اللاتواصل الاجتماعية. لم يعد يحتفى بالمفكر أو الشاعر أو العالم، بل أصبح “اليوتوبر” الذي يأكل في الشارع ويصور رد فعل جدته أو زوجته حيال مقلب من المقالب، أو كما يسمى بلغتهم “البرانك”، أو “التيكتوكر” التي ترقص عارية أو شبه عارية، هو من يصنع له المجد الافتراضي، وتفتح له أبواب الإعلانات، بل أحيانا السياسة والفن والإعلام.

الأخطر في الأمر أن هذا التحول لم يعد هامشيا أو سطحيا، بل صار بنية ثقافية جديدة تشرعن الرداءة وتفرغ العقل من مضمونه وتبحث عن الماديات والربح الريع بغض النظر عن الطريقة. فالنموذج المروج للشباب لم يعد ابن خلدون أو المهدي المنجرة أو فاطمة المرنيسي أو محمد عابد الجابري أو العروي أو رشيد اليزمي وغيرهم، بل أسماء تتقن اللعب على الغرائز والشهوات والضحك الساذج، وتقديم الحياة كفاصل كوميدي تافه لا يحتاج لا إلى تفكير ولا إلى حس نقدي.

قتل الذوق الجماعي

هذا لا يعني أننا ضد الحرية أو التعبير أو حتى الترفيه، لكن الترفيه شيء، وقتل الذوق الجماعي شيء آخر. نحن نعيش اليوم اغتيالا جماعيا للوعي مع سبق إصرار وترصد، حيث صار من يتحدث بعقلانية متهما بالنخبوية أو بالدارجة “قاري كثر من القياس”، ومن ينتقد التفاهة متهما ب”الحسد” و يرمى بمقولة “المش ملي مكيلحقش للحم كيقول خانز”. إنها لحظة موت الرموز الفكرية، وبروز نجوم بلا مضمون، في دولة تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، لكنها تلهي شبابها بـالتفاهة الممأسسة.

ما العمل إذن؟ ليس الحل في الرقابة أو المنع، بل في خلق بدائل حقيقية. في دعم التعليم والحس النقدي، والإعلام الجاد، وصناعة محتوى يزاوج بين المتعة والمعرفة. نحن بحاجة إلى مشروع ثقافي وطني يعيد للعقل اعتباره، ويرجع التفكير إلى الدماغ لا إلى مناطق أخرى من الجسد.

لنتفق.. ليست المشكلة في المؤخرات، بل في العقول التي قررت أن تجعلها معيارا للنجاح والتأثير. يا قوم، إننا استبدلنا حضارة العقل بحضارة المؤخرات.

هشام بنوشن : باحث في العلوم السياسية

Achnews

مجانى
عرض