كلنا فاسدون !؟

“كلنا فاسدون لا أستثني أحدا”، بهذه الجملة اشتهر الفنان أحمد زكي في فيلم ‘ضد الحكومة‘، الذي تم انتاجه سنة 1992، والذي لعب فيه دور البطولة من خلال شخصية « مصطفى خلف » المحامي. وأوضح خلال المشهد الذي تضمن هذه الجملة بأنه ليس عيبا على الإنسان أن يعترف بأخطائه أمام الجميع، لعله يتطهر منها، وذلك لأنه إنسان وليس ملاكا أو شيطانا. كما أكد ضرورة تحقيق العدالة التي ستضمن للأجيال القادمة المعيشة في ظل جو من الأمان ويعاقب فيه المذنب على ارتكاب جرائمه.
لا أحد يعترف بأنه فاسد. الجميع يرفع شعار “محاربة الفساد”، بدءا من رئيس الحكومة وصولا إلى آخر معلق فيسبوكي لم تسعفه ظروفه سوى للتنديد بما يجري في المقاهي وعلى أرصفة الانتظار أو لم ينل حصته من الفساد.
الفساد؟ نعم، ذلك ‘البوعو” الذي نحمله كل إخفاق، ونعلق عليه كل خيبة، ونلبسه كل مظاهر الانحطاط. لكن مهلا… من هو الفاسد؟ من يختبئ وراء هذه الكلمة التي أصبحت مثل العدو في روايات الحرب، لا نراه، لكننا نقسم أنه هنا، يراقبنا وينهبنا ويتلذذ ببؤسنا ومعاناتنا.
الموظف “المسكين” يطلب رشوة لتمرير وثيقة قانونية، ثم يشارك في مسيرة ضد الفساد. في قاعة الدرس، و الأستاذ يقايض النقاط بـ”الخدمات”، ثم يحدثنا عن النزاهة. و المواطن الذي يرفض أن يقف في الصف، ويدس ورقة نقدية في يد الحارس كي يسرع له الخدمة، ينشر تدوينة حارقة يلعن فيها اللوبيات و العدسيات التي تنهب البلاد.
انه التناقض يا سادة، لا، بل واقع معقد، كما يقول الخبراء و المحللون في النشرة المسائية.
كلنا ندين الفساد، لكن لا أحد منا يتهم نفسه. الأمر يشبه مسرحية يتبادل فيها الجميع الأدوار: مرة ضحية، ومرة قاض، ومرة واعظ. أما الفاعل الحقيقي، فهو متخفي خلف ستار من الأعذار: “أنا مضطر”، “ماشي غير أنا”، “الدولة خاصها تبدا براسها” و “معندي مندير” و “كلشي بحال بحال”… وهكذا نبقي الفساد حيا يرزق، لكننا نظل نغسل أيدينا منه، بماء الخطابات الطاهرة.
هل المشكلة في النظام؟ في المؤسسات؟ في التربية؟ أم فينا نحن، الذين ندين الفساد صباحا ونسايره مساء؟
هل نريد فعلا محاربته، أم أننا فقط نريد من يحسن إدارته؟
في النهاية، يبدو أن الفساد ليس شخصا نبحث عنه لنضعه في السجن. ربما هو ثقافة، عادات صغيرة، ومواقف يومية، تسربت إلى لا وعينا حتى أصبحت عادية… بل ومبررة ان لم نقل حلالا طيبا.
فمن هو الفاسد إذن؟ لا أعرف، لكني متأكد من شيء واحد: هو “ماشي حنا”، ياك بعدا؟
تعليقات 0