الجزائر في عزلة دبلوماسية خانقة وسط تصاعد الأزمات
حدود مغلقة، تحالفات مضادة، وعداوات متنامية ترسم ملامح العزلة الجزائرية في محيطها العربي والإقليمي

في وقت يشهد فيه العالم تحولات كبرى نحو الشراكات الإقليمية والتكتلات الاقتصادية والسياسية، تسير الجزائر في اتجاه معاكس، غارقة في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، تحاصرها من كل الجهات. فمن الحدود المغلقة إلى العداوات المتصاعدة، يزداد المشهد تعقيدا في محيطها العربي والإفريقي، ما يعكس سياسة خارجية مبنية على القطيعة والمواجهة بدل الحوار والتكامل.
وكان الأسبوع الأخير كافيا لرصد حجم الانهيار في علاقات الجزائر مع جيرانها وشركائها. زيارة وفد إماراتي إلى النيجر، في خطوة ينتظر أن تشمل مالي أيضا، جاءت في سياق تنسيق أمني واستثماري جديد، ينظر إليه على أنه بداية إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في منطقة الساحل، بعيدا عن النفوذ الجزائري.
في ليبيا، تصاعدت التحركات العسكرية لصدام حفتر، نجل المشير خليفة حفتر، وسط تقارير عن ترتيبات قد تشمل حلفاء تقليديين للمغرب. وفي المقابل، استقبلت المملكة المغربية وحدات من الجيش المالي في مناورات ميدانية تحت إشراف القوات المسلحة الملكية، في خطوة تُفهم ضمنيًا كرسالة موجهة إلى الجزائر.
أما النيجر ومالي وبوركينا فاسو، فقد أعلنت موقفا موحدا يعتبر أي مساس بأمن مالي تهديدا للمنطقة، في إشارة ضمنية إلى رفضهم لمقاربة الجزائر الأمنية.
حدود مغلقة ومعابر مقفلة وجيران يبتعدون
من المغرب إلى موريتانيا، مرورا بليبيا ودول الساحل، تجد الجزائر نفسها في عزلة جغرافية خانقة. الحدود مع المغرب لا تزال مغلقة منذ عقود، العلاقات مع حفتر في ليبيا في أدنى مستوياتها، وموريتانيا أقفلت حدودها الشمالية بسبب تحركات عناصر جبهة البوليساريو. وفي الجنوب، تعيش المعابر مع النيجر ومالي إغلاقا فعليا، ما يزيد من الشعور بالاختناق السياسي والاقتصادي.
العلاقات المتدهورة مع فرنسا والإمارات
وفي العمق الأوروبي-العربي، ازدادت العلاقات توترا مع فرنسا التي تعيش حالة من البرود الحاد مع النظام الجزائري، فيما شهدت علاقات الجزائر مع الإمارات تراجعًا ملحوظًا في ظل تحولات إماراتية نحو التنسيق مع دول تعتبر حليفة للمغرب ومنافِسة لنفوذ الجزائر في الساحل.
هذه التوترات المتصاعدة تطرح في سياق يسلط الضوء على منهج سياسي جزائري قائم على افتعال الصدامات، بدل بناء الجسور مع شركاء استراتيجيين في المنطقة والعالم.
الأزمات الداخلية تصدر للخارج
تتزامن هذه العزلة الدبلوماسية مع أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة داخل الجزائر. رغم الثروة النفطية والغازية، يعيش المواطن الجزائري أوضاعا معيشية متدهورة، وانسدادا في الأفق الاقتصادي، مما دفع الآلاف للهجرة عبر قوارب الموت نحو الضفة الأخرى من المتوسط، في مشهد يقارب ما تشهده فنزويلا من هروب جماعي رغم وفرة الموارد.
وتتهم تقارير عديدة النظام الجزائري بتصدير أزماته الداخلية نحو الخارج، عبر افتعال أزمات دبلوماسية مع جيرانه ومحيطه الإقليمي، في وقت تشهد فيه دول المنطقة خطوات متسارعة نحو التنسيق الاقتصادي والتكامل الأمني.
عزلة استراتيجية في وجه منطق التعاون الدولي
ما تواجهه الجزائر اليوم لم يعد مجرد فتور دبلوماسي، بل هو انعزال استراتيجي كامل، يعكس فشل سياسة المكابرة في محيط إقليمي ودولي لم يعد يحتمل خطاب التحدي المستمر. ففي عالم يدار بمنطق الشراكات والانفتاح، تبدو الجزائر وكأنها تسبح عكس التيار، مكتفية بسياسة غلق الأبواب بدل مدّ الجسور.
تعليقات 0