شباب “جين زد 212”.. بين عبث السياسة وازدواجية الخطاب.. صورة
تناقضات الحركة بين رفض التمثيل والدعوة للحوار الافتراضي

برزت في الأسابيع الأخيرة مجموعة تعرف بـ “جين زد 212“، تنسب إليها الدعوة للاحتجاجات الرقمية والميدانية. وما يثير الانتباه ليس فقط حدة خطابها، بل التناقض الصارخ بين شعاراتها وممارساتها. فبينما ترفع شعار “لا قائد ولا ممثل” للحركة، نراها في المقابل تطالب الحكومة بفتح باب الحوار عبر منصة “ديسكورد“، في سابقة غريبة على مستوى العمل السياسي والاجتماعي. إذ كيف يمكن التفاوض مع مجموعة ترفض الاعتراف بأي قيادة أو تمثيل رسمي، لكنها في الآن نفسه تريد أن تعامل كقوة سياسية لها وزن على طاولة الحوار؟
بيان يكرس العبث
وفي بيان حديث نشر اليوم على خادم “ديسكورد” خاص بالمجموعة، جاء ما يلي: “ليس لنا متكلمون باسم الحركة ولا مفاوضون ولا ممثلون.. كل شخص يتحدث باسم الحركة ليس ممثلا لنا. وكل ما ننشر هو فالسيرفر أو صفحة الفيسبوك بعد استشارة مع الأعضاء حتى تكون هنالك ديمقراطية في اتخاذ قراراتنا”.
ويكشف هذا الخطاب أزمة عميقة، لأنه يعبر عن رفض مطلق لأي تمثيلية، واتهام كل من يفاوض أو يجلس مع أحزاب أو سلطات بأنه “يحاول ركوب الحركة وإخمادها”. في المقابل، يطالب الأدمينز أنفسهم بفتح قنوات رسمية للنقاش لكن على أرضية افتراضية ومجهولة الهوية، وكأن استقرار دولة يدار عبر أسماء مستعارة وأيقونات رقمية.
موقف الحكومة والأحزاب
وفي خطوة وصفت بالانفتاح، دعت الحكومة هؤلاء الشباب إلى وضع مطالبهم بشكل واضح “فوق الطاولة”، مؤكدة استعدادها للاستماع. غير أن رفض الأدمينز لهذه الدعوة والتمسك بفضاء “ديسكورد” بدلا من المؤسسات الرسمية، جعل المبادرة تبدو أقرب إلى العبث منها إلى الحوار السياسي الجاد.
وفي تطور لاحق، خرجت أنباء عن استعداد بعض الأحزاب السياسية للجلوس مع شباب من “جيل زد” قصد استيعاب مطالبهم. لكن سرعان ما نشر الأدمينز بيانا توضيحيا يرفض أي صفة تمثيلية لهؤلاء الشباب، مؤكدا أن الحركة لا تعترف بمتحدثين رسميين. ويطرح هذا الارتباك تساؤلات جدية حول حقيقة من يقود هذه المبادرات ومن يستفيد من إذكاء نار الاحتجاجات.
أزمة الشرعية والشفافية
إن الإصرار على العمل في الظل، والاختباء خلف حسابات مجهولة، يعكس غيابا كاملا للشفافية ويؤكد أن الحركة تفتقر لأي شرعية سياسية أو اجتماعية. فالنقاش الديمقراطي لا يمكن أن يتم عبر خوادم مغلقة يديرها “أدمينز” مجهولون، بل عبر مؤسسات الدولة، البرلمان، النقابات والمجتمع المدني.
ومن الناحية السياسية، يبرز “جين زد 212” كحالة هجينة بين حركة احتجاجية افتراضية وفضاء للتجاذب الأيديولوجي، لكنه يفتقر إلى مقومات الحركات الاجتماعية التقليدية، وإلى وضوح القيادة وتحديد المطالب والقدرة على التفاوض. أما من الناحية الأمنية، فإن ترك المجال لمجهولين لتأطير الشباب عبر أدوات رقمية يهدد الاستقرار ويفتح الباب أمام توظيفات خارجية أو اختراقات سياسية خطيرة.
خطاب بلا قيادة وبيانات بلا تمثيلية
“جين زد 212” ليس سوى مرآة لخلط غير مسبوق بين العفوية الرقمية والفراغ السياسي. خطاب بلا قيادة، بيانات بلا تمثيلية، ودعوة لحوار افتراضي تفرغ السياسة من جوهرها. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن بناء مستقبل دولة عبر “سيرفرات ديسكورد” أم أن الأمر مجرد أداة جديدة لتمرير أجندات غامضة في لحظة إقليمية دقيقة؟


تعليقات 0