الجميع غاضب في فيسبوك. والصور التعبيرية المضحكة وفيديوهات “الطنز” تتناسل على “تيك توك” بسبب المشاركة المغربية في أولمبياد باريس الذي انتهت فعالياته أخيرا. والانتقادات اللاذعة للجامعات والفرق والأندية واللجان الأولمبية التي تلتهم ميزانيات ضخمة ولا تنتج لنا أبطالا، هي السائدة اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف والمواقع الإلكترونية والإذاعات. ولا حديث في شهر غشت الكسول سوى عن البقالي الذي أنقذ وجه المغرب في هذه التظاهرة العالمية الكبرى، ومعه “وليدات” المنتخب الأولمبي المغربي. والمغاربة طبعا، “ما كاين غير البارتاج” والتعليقات الساخرة، مع أن “المخير فيهم”، لا يفهم حتى في قوانين الألعاب التي يتم التنافس فيها خلال الأولمبياد.
صحيح أن الفساد والفوضى وانعدام القانون ينخر جامعاتنا في كل الرياضات تقريبا، وهي مسألة تكاد تطغى في جميع القطاعات ببلادنا وليست بالشيء الجديد، إلا أنها ليست وحدها العوامل التي أدت بنا إلى هذه النتائج الهزيلة في أولمبياد باريس 2024، إذ ماذا يمكن لرئيس جامعة رياضية، مهما كان “كا يطلع فالحيط بضهرو”، أن يفعل إزاء غياب مواهب حقيقية في هذا التخصص الرياضي أو ذاك؟ ثم هل تكفي تلك الميزانيات البسيطة، التي تخصص لبعض الجامعات الرياضية (باستثناء جامعة الكرة) لصنع أبطال في رياضات معينة، يحتاجون تتبعا واهتماما وتدريبات منتظمة وحديثة تتطلب إمكانيات هائلة؟
لقد تمكن منتخبنا الأولمبي من حصد البرونزية في أولمبياد باريس، وقبله تمكن المنتخب الوطني الأول، من تحقيق إنجاز المونديال في قطر، لأن أغلب عناصره لم تترعرع مواهبها في المغرب، بل صقلت في نواد أجنبية، اللهم بعض الأسماء الجيدة مثل النصيري وأوناحي وغيرهما، التي تكونت في أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، والتي أبانت عن قدرات كروية واعدة. غير ذلك، ليس هناك سوى الأداء المتواضع، الذي لم يمكنّا يوما من التتويج أو الحصول على ألقاب قارية أو دولية، اللهم على سبيل الصدفة و”تيسير الله”. وما ينطبق على الكرة ينطبق على باقي الرياضات. فلماذا نتحسر على حالنا وكأننا أمة رياضية لا يشق لها غبار؟
في الرياضة، كما في الكثير من المجالات، لا يحب أن يرى المغاربة وجوههم في المرآة. لا يمكننا أن نغطي الشمس بالغربال. إننا شعب ثقافته “خبزية” وليست رياضية. نقطة إلى السطر. إننا نحب “التغماس” والقيلولة والكسكس و”الرفيسة”، ونتوارث عشق الولائم و”التمخميخ” أبا عن جدا. أما الرياضة، فغائبة عن منازلنا ومدارسنا. وهنا “عواجت الفقوسة”، فالمسؤول الأول والأخير عن فشلنا هو تهميش التربية الرياضية وغياب الألعاب المدرسية عن مؤسساتنا التعليمية، فصناعة الأبطال تبدأ من البيت ومن المدرسة، مثلما يقع في البلدان التي تحترم نفسها، والتي تتبنى المواهب الرياضية في المدارس والجامعات وتتبعها بالعناية اللازمة وتنفق عليها وتخصص لها الإمكانيات الضرورية، إلى أن تتفتق موهبتها عن بطل قادر على المنافسة في أعتى التظاهرات والتتويج بأرفع الألقاب والميداليات، وليس فقط المشاركة فيها من أجل المشاركة.
وهنا، بدل الاكتفاء بتوجيه سهام اللوم إلى رؤساء الجامعات واللجان الأولمبية والفرق وغيرهم يمكن تحويل “الرادار” نحو وزارة التربية الوطنية والرياضة، التي عليها أيضا أن تعد بيداغوجية تعليمية فعالة، يكون للرياضة والألعاب المدرسية فيها حصة مهمة، لأن من خلالها يمكن أن نصنع أبطال المستقبل. الكرة إذن في ملعب وزيرنا بنموسى. فهل ستكون آذانه صاغية، ويستدرك الوقت بدل الضائع؟ أم أن مشاكل المعلمين وإضراباتهم ستصيبها بالصمم؟
التعليقات 0