جميل جدا حجم التضامن بين المغاربة في هذه الفاجعة الوطنية التي أصابت بلادنا، ويثير في النفوس الكثير من الفخر والاعتزاز فعلا، لكنه يطرح علينا، في الوقت نفسه، الكثير من التساؤلات المنطقية، خاصة في ظل الانتقادات المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي، حول رفض المغرب للمساعدات في الوقت الذي يعجز فيه عن إيصالها إلى المحتاجين في المناطق المنكوبة.
حملات التضامن، التي لا يمكن إلا أن نحييها طبعا، وقوافل المساعدات المتوجهة إلى المتضررين من تداعيات الزلزال، رغم الطابع الإنساني والتضامني الذي تتسم به، تشوبها العشوائية والفوضى، التي تسببت في عرقلة حركة السير في مجال جغرافي وعر وبين دواوير مشتتة، لم تستفد كلها من حملات الخير التي تركزت في مناطق معينة دون غيرها، وأصبحنا نشاهد في “فيديوهات” مواقع التواصل الاجتماعي شاحنات “مبلوكية” في طريق مزدحمة وأغذية مكدسة، الكثير منها تعفن لأنه لم يصل في وقته. وهذه العشوائية نفسها، هي التي أرادت الدولة تفاديها حين أعلنت عن قبولها المساعدات من أربع دول فقط، حتى تكون الأمور منضبطة وتسير وفق إستراتيجية وخطة منتظمة.
السلطات، رغم التقصير المسجل عليها أحيانا كثيرة، وفي العديد من المناسبات، تقوم بما تستطيعه حسب الإمكانيات المتاحة أمامها، فالزلزال جبان وغدار ولا يمكن التنبؤ به، وتزداد تداعياته حدة حين يطال منطقة جغرافية معقدة في بلد فقير وموارده “على قد الحال”.
جيد أن يتضامن المغاربة مع عائلات الضحايا. لكن تضامنهم، وبعيدا عن العواطف، يجب أن يكون حكيما وذكيا ومبنيا على برمجة ويتبع خطة وطنية هدفها إيصال المساعدات إلى أبعد نقطة في المغرب العميق. ففي عز الصدمة، يجب استحضار العقل والمنطق، وإلا أصبح الكل يخبط خبط عشواء، وهذا ما وقع فعلا وجعل بعض الباحثين عن الفتن يستغلون الوضع.
بلادنا اليوم في حالة حرب. وعلينا أن نتجند شعبا ودولة من أجل تجاوز هذا المصاب الجلل. علينا أن نكون يدا واحدة ونثق في دولتنا ومؤسساتها التي أثبتت حكمتها في زمن الجائحة اللعين، وستثبتها مرة أخرى في هذه الكارثة الطبيعية التي حلت علينا فجأة.
يتساءل البعض غاضبا لماذا نرفض المساعدات المقدمة لنا من جميع الدول، ومنها فرنسا وألمانيا، رغم أننا في أمس الحاجة إليها. لكننا ننسى أن المغرب بلد له سيادة، ولا تديره عصابة ميليشات، ويستطيع تدبير أزمته وفق الطريقة التي يراها مسؤولوه ذكية وحكيمة. لا يمكن أن نرفع شعار “ادخلوها بسباطكم”، ف”يديك ويد القابلة كا يتزاد الحرامي عور” مثلما يقول المثل الدارج. لذلك تم تشكيل خلية أزمة، ولذلك تأخرت الحكومة في الإعلان عن صندوق التضامن مع ضحايا زلزال الحوز، لأننا دولة مؤسسات وقوانين. وحتى لو كنا نحتاج المساعدة، فعلينا أن نقبلها بكرامة ووفق نظام معين، “ماشي غير اللي بغا يجي ندخلوه”.
الكارثة حلت “واللي عطا الله عطاه”. وعلينا أن نخرج من تداعياتها سالمين ورافعين رؤوسنا. لذلك فمن يتضامن عليه أن يقوم بذلك في الصندوق الذي أنشأه الملك لهذا الهدف. علينا إعادة البناء والإعمار. أما الحليب والفروماج ف”غير كا يخسرو مع الطريق”. فرجاء، تضامنوا بثبات، وأرجؤوا الانتقادات إلى ما بعد. فاللحظة تستدعي منا توحيد الصفوف والكلمة حتى ولو اختلفنا حول التفاصيل.
التعليقات 0