يضع أولياء الأمور وآباء وأمهات تلميذات وتلاميذ التعليم العمومي في بلادنا، أياديهم على قلوبهم، خوفا من أن تمر السنة الدراسية الحالية مرور الكرام، وتضيع على أبناءهم فرصة التعلم واكتساب المعرفة، بسبب الإضرابات المتتالية لنساء ورجال التعليم، والاحتجاجات المتواصلة التي ما أن تكاد تنتهي، حتى تشتعل نيرانها من جديد.
وبين شد وجذب بين النقابات والتنسيقيات التابعة للتعليم، وبين الوزارة الوصية والحكومة، من أجل التوصل إلى اتفاق لا يمكن أن يكون الجميع راضيا عنه أبدا، تستمر معاناة الآباء والأمهات والتلاميذ بسبب هذه الوضعية الكارثية على تعليمنا وعلى مستقبل جيل بأكمله، عانى أساسا، منذ سنوات، وما زال يعاني إلى اليوم، نظاما تعليميا متخلفا تخرج منه آلاف العاطلين والفاشلين، باستثناء بعض الفلتات التي شذت عن القاعدة.
ما ذنب هؤلاء الآباء والأمهات والتلاميذ كي يؤدوا ثمن مشاحنات يلعب فيها الجانب الاجتماعي للأساتذة والمعلمين دورا كبيرا، لكنها لا تخلو من مزايدات سياسية ونقابية وفكرية وإيديولوجية؟ أي جريمة اقترفوها في هذه الحياة حتى تحل عليهم لعنة هذه الإضرابات التي تهدد مستقبل فلذات أكبادهم، التي يتكبدون من أجلها الذل والسؤال و”التبهديل” و”الحكرة” كل يوم، فقط من أجل أن يؤمنوا لها ما تحتاجه من كتب ومصاريف دراسة، وهم يمنون النفس في أن يكون لها غد أفضل من واقعهم المزري اليوم؟
لا يمكن لأحد أن يختلف على أن وضعية المعلم مزرية فعلا. كما لا يختلف أحد على أن الحكومة يجب أن ترتقي بها إلى درجات أفضل حتى يتمكن من أداء دوره وواجبه كما يجب، وأن تطوير التعليم وتقدمه في بلادنا لا يمكن أن يتحقق بدون النهوض بأوضاع أطره وأساتذته ومعلميه، لكن ما يقع اليوم من “وضع العصا فالرويضة” لكي لا يتحقق أي حوار مجد مع الحكومة، يفرض علينا طرح العديد من التساؤلات حول الحل الممكن من أجل الخروج من هذه المتاهة.
لقد أكد الناطق باسم الحكومة أن الأخيرة مستعدة ومنفتحة للحوار من أجل التوصل إلى توافق مع الأساتذة، لكن بالمقابل، هناك اختلاف بين مطالب النقابات ومطالب التنسيقيات حول العديد من النقاط، وهو اختلاف جوهري لن يصل معه أي حوار سوى إلى الباب المسدود. بل إننا أمام صراع أجيال، بين أساتذة عمّروا طويلا وينظرون إلى تقاعد مريح، وآخرين في عز الشباب وفي بداية حياتهم المهنية، مقبلون على الزواج وتأسيس أسر وأبناء، ويرغبون في ظروف عيش كريمة، وفي امتيازات للمستقبل. وكل جانب فيهم “يلغي بلغاه”.
فما الحل إذن؟ هل هو الإضراب؟ الذي، رغم أنه حق مكفول للجميع، إلا أنه في بعض الأحيان يتحول إلى نوع من الابتزاز وليس سلاحا للضغط من أجل التفاوض. أم أننا “نخليو الما فين يجري”، مثلما يقول المثل المغربي الدارج، حتى يتمكن تلاميذنا من التحصيل الدراسي والمعرفي، على علاته؟ علما أن إضراب عمال في شركة، يلزمهم وحدهم ويعنيهم مع “الباطرون” أو الحكومة، أما إضراب معلمين في مدرسة، فيؤدي ثمنه جيل كامل وتلزم تبعاته مستقبل بلد بأكمله.
أطفالنا وأولياء أمورهم لا يفقهون شيئا في النظام الأساسي الذي اختلفت عليه النقابات والتنسيقيات والحكومة. وعدد منهم لا يفهم سبب هذه الإضرابات ولا يعرف خلفياتها وكواليسها، وليس معنيا بمجريات هذا الجدل والنقاش وتضارب الرؤى والآراء. وكل ما يهمه، هو أن يصطحب ابنه أو ابنته صباحا إلى المدرسة، “باش يقرا أو تقرا”، وأغلبهم يشعر بغصة في قلبه وهو يرى طفله أو طفلته يغط في النوم، أو يطالع الهاتف المحمول على مدار اليوم، ويستقي معلوماته من “فيسبوك” و”تيك توك” وغيرها من منصات الجهل الاجتماعي، إلى درجة أنهم عافوا المدرسة و”ما جا منها”، وبدل أن نسعى إلى تحبيبهم في التعلم والدراسة، “كا نزيدو نكرهوهم فيه”.
فهل بينكم “رسول” عاقل يستحق أن نقوم له نوفه التبجيلا؟
التعليقات 0