الصحراء المغربية تتحول إلى وجهة استثمارية عالمية واعدة
مشاريع بالمليارات تعزز مكانة الداخلة كمركز إقليمي للطاقة والتجارة

أكد تقرير حديث لوكالة بلومبرغ الأمريكية أن الصحراء المغربية لم تعد مجرد منطقة ذات أهمية رمزية في النزاع الإقليمي، بل تحولت إلى فضاء اقتصادي واعد ينجذب إليه المستثمرون في قطاعات حيوية مثل الموانئ والطاقة المتجددة والسياحة والصناعات الغذائية. ويأتي هذا التحول نتيجة جهود حثيثة تبذلها الرباط لتحسين مناخ الأعمال وتوسيع دائرة الاعتراف الدولي بسيادتها على الأقاليم الجنوبية.
ميناء الداخلة الأطلسي.. بوابة نحو غرب إفريقيا وأمريكا اللاتينية
وسلط التقرير الضوء على مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي تصل كلفته إلى 1.2 مليار دولار، ويرتقب أن يكون نقطة تحول استراتيجية، ليس فقط لجهة ربط الصحراء بالأسواق الأوروبية والأمريكية، بل أيضا لدوره المستقبلي في خدمة اقتصادات غرب إفريقيا. وقد بدأت الرباط بالفعل مفاوضات مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي دول غير ساحلية، لربطها بهذا الميناء، مما يعزز مكانة الداخلة كمركز لوجستي إقليمي.
طاقات متجددة بأبعاد عالمية
وتشهد الأقاليم الجنوبية المغربية طفرة في مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث توفر الصحراء أحد أعلى مؤشرات السطوع الشمسي وقوة الرياح في العالم. وأشارت بلومبرغ إلى أن هذه الموارد الطبيعية تضع المغرب في موقع تنافسي لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، مع فرص تصدير كبيرة نحو أوروبا التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي.
كما أن هذه المشاريع ستلعب دورا في تغذية البنية التحتية الرياضية خلال استضافة المغرب لكأس العالم 2030، إلى جانب مساهمتها في تلبية احتياجات السكان المحليين من الطاقة المستدامة.
نمو في الصناعات الغذائية والبحرية
ورغم الطابع الصحراوي للمنطقة، فإن الصحراء المغربية تعرف ازدهارا في قطاعي الزراعة والصيد البحري، بفضل اعتماد تقنيات متقدمة للتحلية والري. وتعد صادرات الأسماك والمنتجات الزراعية من الداخلة والعيون من بين أسرع مصادر الدخل نموا في الاقتصاد المحلي، وتوفر فرص شغل مهمة للسكان.
مشاريع تحولية بميزانيات ضخمة
وتشير التقديرات إلى أن الاستثمارات المرتقبة في مشاريع البنية التحتية والطاقة بالأقاليم الجنوبية تتجاوز 10 مليارات دولار في المرحلة الحالية، مع هدف طموح بجذب 40 مليار دولار من الاستثمارات بحلول عام 2040. ويشمل ذلك البنية الطرقية، والموانئ، والمدن الصناعية، والمشاريع الخضراء.
ويتسق هذا التوجه مع رؤية “الجهوية المتقدمة” التي تعتمدها الرباط، والتي تهدف إلى تحويل الأقاليم الجنوبية إلى محرك اقتصادي متكامل يساهم في النمو الوطني، ويحقق الاندماج الإقليمي مع إفريقيا جنوب الصحراء.
مكاسب دبلوماسية تعزز الثقة الدولية
ويرتبط الإقبال الاستثماري المتزايد على الصحراء المغربية بتغير جذري في موقف القوى الدولية. فمنذ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء، توالت المواقف المؤيدة، أبرزها دعم فرنسا، وإسبانيا التي وصفت مبادرة الحكم الذاتي بأنها “الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية”.
وقد ساهم هذا الاعتراف السياسي في إزالة الغموض الذي كان يحيط بالإقليم في نظر المستثمرين الدوليين، مما أدى إلى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، خصوصا في القطاعات التي تتطلب استقرارا قانونيا طويل الأمد.
وبحسب ريكاردو فابياني، مدير شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، فإن “الصحراء لم تعد تعتبر منطقة محفوفة بالمخاطر، بل صارت مجالا طبيعيا يتلقى تدفقات رأسمالية متزايدة، ما يعكس تغير النظرة العالمية إليها”.
الداخلة.. الدورادو الجديد للمستثمرين
ويجمع المراقبون على أن الداخلة، بفضل موقعها الجغرافي، وتحولها إلى مركز لوجستي وصناعي ناشئ، مرشحة لتكون واحدة من أهم المدن الإفريقية في العقدين المقبلين. وقد وصفتها بلومبرغ بـ”الدورادو”، أي أرض الفرص، في إشارة إلى ما تمثله من آفاق غير محدودة للمستثمرين، خصوصا في سياق التحولات الطاقية والتغيرات الجيوسياسية في العالم.
ولم تعد الصحراء المغربية اليوم ملفا سياسيا عالقا، بل أصبحت نموذجا للتنمية الشاملة والمندمجة، مدفوعة بمشاريع اقتصادية كبرى واعتراف دولي متزايد. ومع احتضانها لمشاريع استراتيجية تعزز الربط بين أوروبا وإفريقيا، يبدو أن المغرب يكرس الأقاليم الجنوبية كقلب جديد لنموذجه التنموي وكجسر للتكامل الإقليمي.
تعليقات 0