ما زال أي نقاش حول الإرث في المغرب، وفي غيره من المجتمعات الإسلامية، يثير زوبعة وجدلا شائكا بين المحافظين، الذين يكرهون كل مبادرة نحو التطور والتغيير، ويصدونها بعنف واستماتة، والراغبين في التجديد والتكيف مع الواقع.
الإسلاميون، وغيرهم من التيارات المحافظة، يصرون على أن النصوص المتعلقة بالإرث قطعية ولا نقاش فيها، ويرفضون فتح باب الحوار حولها تماما، رغم أن الواقع يحفل بالكثير من الحكايات المؤلمة التي تعاني فيها النساء إجحافا وظلما كبيرين.
أما الدولة، فتتأرجح بين التيارين، وتجد نفسها حائرة بينهما، وغير قادرة على الحسم خوفا من الفتنة، رغم رغبتها الدفينة في تغيير العديد من القوانين التي لم تعد تتناسب مع ما وصله المجتمع من تطور، وفي مقدمة ذلك وضعية المرأة نفسها، التي لم تعد مثلما كانت عليه منذ قرون.
المرأة اليوم خرجت سوق الشغل وتميزت في العديد من الوظائف وأصبحت تشارك في مصروف البيت، بل تعول الأسرة بأكملها وقوامة على الرجل في حالات كثيرة، فما الحكمة في أن يرث أكثر من نصيبها؟ وكيف يسمح لشخص بعيد من ناحية القرابة، في أن يستولي على تركتها ويكون له الحق في طردها من منزلها، فقط لأنه رجل، ولأن الله رزقها بالإناث فقط ولم تلد ذكرا؟ أي منطق أو عدل في ذلك؟
ورغم أن الغالبية القصوى من المغاربة، نساء ورجالا، يعتبرون موضوع الإرث مقدسا ومحسوما فيه بالنص القرآني والأحاديث وفقه المواريث، ويرفضون أي نقاش حوله، إلا أن جزءا كبيرا من المجتمع، فطن لخطورة الوضع وحسم فيه ووجد له الحل. عديدون أصبحوا يقسمون التركة في حياتهم قبل أن يفصل فيها الشرع بعد مماتهم، درءا للظلم الذي قد يقع بين الأبناء والمشاكل التي قد تنتج عن ذلك، ويوزعون ثرواتهم وأملاكهم بالتساوي بين الأبناء، بعقود بيع وشراء قانونية، ليحافظوا على تماسك العائلة بعد رحيلهم. إنهم ليسوا مجانين أو كفارا أو خارجون عن شرع الله، بل عقلاء ويتمتعون بالحكمة. ويكفي الاطلاع على الملفات المتعلقة بالإرث الموجودة في المحاكم، لفهم حجم الكارثة، إذ يصل الصراع أحيانا بين الورثة إلى وقوف الابن ضد والدته أمام القاضي يطعن في أهليتها أو يرغب في تجريدها من إرثها، بل يصل أحيانا كثيرة حد ارتكاب جرائم بين الإخوة أنفسهم.
النص القرآني، بغض النظر عن قطعيته من عدمها، يحفل بالعديد من الأمور التي لم يعد أحد يطبقها، لأنها لم تعد تساير روح العصر، مثل العبودية مثلا التي أصبحت اليوم مجرمة رغم أن الإسلام سمح بها لقرون طويلة، أو مثل تطبيق الحدود كما كانت عليه، وغيرها من النصوص التي كانت ابنة وقتها ولديها أسباب نزولها التي انتفت اليوم ولم يعد معمولا بها. فلماذا نقف فقط عند المساواة في الإرث؟ ولماذا تقوم القيامة دائما حين يتعلق الأمر بالنصوص المتعلقة بحقوق المرأة؟
المجتمع، أصبح اليوم يبدع حلوله في مثل هذه المسائل الشائكة، بعيدا عن الجدل والمهاترات والنقاش العقيم. فلماذا لا يبدع المشرع قانونا وضعيا ينظم المسائل المتعلقة بالإرث، تضمن حق الجميع والمساواة بين الجميع، تاركا تطبيق الشرع مثلما نزل في الآيات والسيرة، خيارا لمن أراد أن يلجأ إليه، ويكفي المؤمنين شر القتال؟
التعليقات 0