بقلم: سيمون النبية المستقبلية
إشكالية النبوة في التراث الديني، أو لنقل جينيالوجيا النبوة المحمدية كما يتصورها التراث الإسلامي حسب اختلاف المذاهب والفرق الإسلامية، أثارت الكثير من الجدل عبر العصور. إذ عمل الفقهاء والمتكلمون كالمعتزلة، فلاسفة المدرسة المشائية، منذ عصر التدوين، على موضعة جهاز مفاهيمي فضفاض ومبهم من جهة، ومن جهة أخرى، هناك من انتقد النبوة كأبو بكر الرازي من خلال مؤلفه حول مخاريق الأنبياء، على سبيل المثال.
يبقى تاريخ النبوة غامضا جدا، لغياب البراهين، وهذا يدعونا بإلحاح كبير إلى فتح صندوق أسئلة التراث المقلقة. فهذه الأخيرة تعد موضوعا ممنوع التفكير فيه أو بتعبير أعمق، مستحيل التفكير فيه على حد اعتقاد المفكر محمد أركون. لم يخل عصر لم يتناول فيه المسلمون فكرة النبوة. ونجد مفكرا هنديا تناول موضوع النبوة ألا وهو محمد إقبال، من خلال مؤلفه حول تجديد الفكر الديني في الإسلام في المحاضرة الخامسة بعنوان: روح الثقافة الاسلامية، لكنه لم يقدم أدلة كافية للبرهنة على سؤال النبوة سوى ربطها بالتصوف، واعتبر النبوة جزءا من التراث الإسلامي.
كيف تم إحياء مسألة النبوة بعد فترة طويلة من النسيان؟
كيف استرجعت الذاكرة الإسلامية دفاعها عن النبوة؟
يعيش المغرب راهنا جدلا فكريا بين تيارين: التيار السلفي المعروف بالأصولية والتقليد المتجمد المدافع كعادته على الدين الإسلامي بدون تقديم أدلة كافية على صحة طرحه. أما التيار الثاني، هو اللاديني المعروف برفض الأديان واعتبارها صناعة بشرية، ونقاشهما قائم على عدة أصعدة. وقد كان موضوع النبوة مطروحا في الساحة الدينية، وفتح نقاشا في حقيقته ليس جديدا بل قديم، ولكن سياقه يختلف عما سبقه.
الحوار حول النبوة:
مكالمة هاتفية فريدة من نوعها كان فحواها كالآتي:
المدعو الشيخ الغليمي: يا حضرة الداعية ياسين العمري، من فضلك أريد دليلا على النبوة.
الداعية ياسين العمري: ليس لدي دليل على النبوة.
أصر الغليمي على سؤاله، لكن الشيخ بعد اللف والدوران لم يجب على سؤال النبوة، ولا يزال السؤال معلقا بدون أجوبة، ونلاحظ كذلك أن المشايخ لا يردون على السؤال بقدر ما يشتمون ويقعون في المغالطات المنطقية كمغالطة الشخصنة، ومغالطة رجل القش.
لقد فجرت مكالمة الغليمي موضوع النبوة، لكن عقلية الغوغاء تطالب بقتله.
بعد المكالمة الهاتفية ونشر الحادثة والمحادثة عبر شبكة التواصل الاجتماعي، كأنها انفجرت قنبلة اسمها النبوة بعدما أكلها النسيان أكلا، وأحياها متسائل نعت بالملحد والكافر، وهذا إن دل على شيء فعلى أن المشايخ يتذكرون دينهم فقط عندما يطالب شخص بالدليل. فجأة يصبح كل المسلمين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية.
إن سيرورة الأسئلة المتداعية تظل تطرح من قبل المخالفين للرؤية الأرثوذكسية. فالنبوة سؤال من الأسئلة التي لا بد من العودة لنقاشها، لأن العقل المتسائل والمتفلسف لا يمكنه كبح جماح رغبته الفضولية في ذلك. النبوة وفق الطرح العقلاني تقع بين برزخ العقل واللاعقل، الأسطورة والخرافة، الحلم والجنون، الخيال والواقع، وهذا ما يدفعنا إلى طرح تساؤلات حول أصل النبوة، مسارها التاريخي، مدلولاتها اللغوية.
ربما الأمر ليس مرتبطا بمحمد، ويمكن ربطه بالفقهاء والرواة الذين فشلوا في سرد تاريخ نبوة محمد. هل عجز المسلمون عن تقديم صورة عقلانية عن محمد؟
هذه الأسئلة كثيرة وغيرها كثير، يدل بدون شك على قلق فكري يعيشه واقعنا الفكري، ولا بد من إعادة النظر في الماضي ومحاولة أخذه في سياقه. فلا يعقل أن نفكر بعقلية القرون الوسطى أو إحياء محاكم التفتيش في العالم الإسلامي وهذا ما نعيشه مع كل الأسف بسبب التصريحات التي أدلى بها بعض الشيوخ في المغرب من خلال إصدارهم لفتوى خطيرة أسميها ب: الفتوى الإسلامية بين التراجيديا والكوميديا .
في الأخير أقول هنيئا للشيخ الغليمي على فتحه طابو من طابوهات صندوق الإسلام التي كانت مسجونة. وبهذا المنجز، ربما تكون لبنة أو خطوة أولى لفتح أسئلة وملفات من صندوق التراث وإخراجها للعلن ومناقشتها. وكوننا نؤمن بحرية التعبير والتفكير والنقد، لا بد للمشايخ الرد على الفكرة، ليس بالفتوة والطعن والتحريض، فالغليمي له عقل متسائل جريمته الوحيدة هو طرح أسئلة مقلقة داخل ثقافة تؤمن بالمسلمات .
وكما يقول النص القرآني، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وجادلوا بالتي هي أحسن.
التعليقات 0