بعد منع الحجاب، يعود الجدل من جديد في فرنسا حول العباية أو الزي الإسلامي الذي ترتديه الطالبات في المدارس والجامعات الفرنسية، بمناسبة الدخول المدرسي في بلد الأنوار، وتعود من جديد الأصوات المنددة بهذا القرار الذي اعتبره البعض، كما العادة، يدخل في باب الحرب التي يشنها الكفار ضد الإسلام والمسلمين، متناسين أو متجاهلين أن الأمر يتعلق ببلاد دينها وعقيدتها العلمانية.
من حق فرنسا، رغم العهود والمواثيق والدساتير وجميع مبادئ حقوق الإنسان التي يتشدق بها الكثيرون ولا يطبقونها في أبسط أمور حياتهم، أن تنظم مؤسساتها وإداراتها وجامعاتها ومدارسها بالمنظور الذي تراه مناسبا لسيرها اليومي العام، وبما يتناسب أيضا مع مبادئها وقيمها التي تأتي على رأسها الحرية. الحرية التي لا يمكنها أن تتماشى أبدا مع ارتداء الحجاب أو العباية أو أي زي إسلامي مهما كان نوعه، لأنه أصلا مبدأ مضاد للحرية، ويعتقل المرأة في لباس هدفه ستر عورتها وكأنها جسم مدنس ولا يجوز أن يظهر للعموم والعلن. وهذا قمة الاحتقار والحكرة لكينونة النساء.
صحيح أن من حق كل امرأة أن تختار ملابسها التي تتوافق مع أفكارها وتوجهاتها الدينية. ومن حق كل رجل أو شخص أن يتصرف وفق ما تمليه عليه قناعاته وخلفياته، لكن في سياق يناسب تلك القناعات والعقليات. وهو ليس السياق الفرنسي بالتأكيد. ففرنسا حاربت وناضلت بالدماء والنار والشهداء، من أجل أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم من حقوق وحريات وانفتاح ثقافي، تدفع ضريبته اليوم مع موجات المهاجرين الذين يريدون أن يفرضوا عليها قوانينهم، وليست لديهم أي رغبة في الاندماج في مجتمعها، وهذا موضوع آخر لا يتسع المقام للتفصيل فيه الآن.
على الذين ينتقدون ويهرطقون بسبب العباية، أن يفهموا جيدا أن فرنسا ليست بلدا مسلما ولم تختر الإسلام دينا، وبالتالي ليست مجبرة أن تتسامح مع المظاهر الدينية الإسلامية لأنها اختارت العلمانية والفصل بين الدين والدولة نظاما وقانونا لها، وهو القانون الذي لا يستسيغه كل الفرنسيين بالطبع، ومنهم اليهود والمسيحيون، المتدينون والمتطرفون في تدينهم أيضا، لكنهم يحترمونه ويخضعون له مجبرين لأنه اختيار دولة ونظام قائم.
ليست كل الفرنسيات يرتدين الشورت ويعشقن العري. عديدات منهن محتشمات، يرتدين التنورات والفساتين الطويلة والقمصان بالأكمام، لكنها ليست أزياء إسلامية أو يهودية أو مسيحية أو بوذية. هي ملابس عادية لا تميزهن عن باقي الفرنسيات، ولا يمكن لمن يمر من أمامهن أن يعرف منها ديانتهن أو عقيدتهن. فلماذا تصر المسلمات على أن يظهرن بالزي الإسلامي؟ وهل الإسلام يختصر فقط في اللباس والعورة؟ ولماذا يجب أن نقول للعالم كله، حذار، إننا مسلمات؟ أي منطق هذا؟
للمدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية حرمتها وقوانينها التي على الجميع أن يمتثل لها، وإلا فليغير بلد الهجرة الذي اختاره نحو بلاد تمنع تعليم المرأة أساسا، وتعتبر أن لها خرجتان، واحدة من بيت والديها إلى بيت زوجها، والأخرى من بيت زوجها إلى القبر. وكفى العلمانيين شر القتال.
التعليقات 0