بين التسييس والعاطفة الشعبية.. ما جدوى مسيرات التضامن مع فلسطين؟
رغم الزخم الشعبي المتكرر تساؤلات كثيرة حول مدى تأثير احتجاجات الشارع في القرارات السياسية أو الرأي العام الدولي

منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 إلى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، لم تغب الشوارع المغربية عن مشهد التضامن مع القضية الفلسطينية. ونظمت عشرات المسيرات والوقفات في مختلف المدن، رفعت فيها الأعلام الفلسطينية، ورددت شعارات “لا للتطبيع”، و”القدس عاصمة فلسطين الأبدية”. إلا أن هذه الموجات الاحتجاجية، على كثافتها وانتظامها، لم تنجح في تغيير أو حتى التأثير على قرارات المغرب السيادية فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل.
ويكشف الواقع السياسي عن مفارقة واضحة، أن المغرب مستمر في تطبيع علاقاته مع تل أبيب، والاتفاقات الموقعة بعد 2020 تتوسع لتشمل مجالات الدفاع والتكنولوجيا والسياحة وحتى التعليم العالي، رغم أن الشارع لا يزال يرفض هذا المسار بصوت مرتفع.
التطبيع كأداة سياسية: الاعتراف بمغربية الصحراء أولا
ولم يكن التحول المفصلي في السياسة الخارجية للمغرب عشوائيا ولا ناتجا عن ضغط خارجي فقط، بل جاء ضمن صفقة استراتيجية واضحة. في 10 دجنبر 2020، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء، وهو اعتراف غير مسبوق من قوة عظمى، ظل المغرب يسعى إليه طيلة عقود.
وتبع هذا الموقف الأمريكي، مواقف مماثلة وإن كانت أقل وضوحا من دول أوروبية وآسيوية، وأعاد ملف الصحراء إلى الواجهة الدولية بقوة. ومن هنا، يتضح أن الربح الجيوسياسي الذي جناه المغرب من التطبيع فاق بكثير رمزية الاحتجاجات الشعبية، التي لم تحقق أي مكاسب ملموسة على صعيد القضية الفلسطينية أو تغيير سياسة الدولة.
ثبات الدعم الإنساني والروحي لفلسطين
رغم الطابع البراغماتي الذي طبع السياسة الخارجية المغربية، لم تتخل المملكة عن دعمها العملي والإنساني للشعب الفلسطيني. وبتعليمات من الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، كانت الطائرات المغربية أول من وصل إلى مطار العريش المصري محملة بالمساعدات، في وقت ترددت فيه العديد من الدول الأخرى عن التحرك.
هذا الدعم الميداني، الذي تجاوز الشعارات إلى الفعل، عزز الصورة المغربية كبلد يوازن بين الدفاع عن قضاياه الوطنية والانخراط الإنساني الملتزم تجاه فلسطين.
المقاربة البراغماتية: فلسطين قضية عادلة… ولكن؟
ورغم أن الدولة المغربية تؤكد في خطابها الرسمي استمرار دعمها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، إلا أن التعامل مع القضية لم يعد يخضع فقط للمنطق العاطفي أو التاريخي، بل لميزان المصالح الوطنية. وفي هذا الإطار، تأتي قضية الصحراء المغربية في مقدمة الأولويات الوطنية، باعتبارها الملف الأهم في أجندة الدبلوماسية المغربية.
وباتت الرباط تعتمد على دبلوماسية ذكية تجمع بين الحفاظ على الرمزية التضامنية مع فلسطين من جهة، واستثمار العلاقات مع القوى المؤثرة دوليا من جهة أخرى، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية الكبرى.
المسيرات بين العاطفة والواقع: هل آن الأوان لإعادة التفكير؟
وتعبر الاحتجاجات التضامنية مع فلسطين دون شك عن حالة وجدانية صادقة لدى قطاعات واسعة من الشعب المغربي، ولكنها تبقى تحركات رمزية لا تراكم تأثيرا حقيقيا في صناعة القرار، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
وفي المقابل، يظهر أن نهج الواقعية السياسية الذي تبنته الرباط مكنها من تحقيق مكاسب ملموسة في ملف الصحراء، بل ومن تعزيز موقعها الإقليمي كشريك استراتيجي للغرب في قضايا الأمن والهجرة والطاقة.
الواقع لا يبنى على العاطفة
ولقد أثبتت التجربة أن سياسات الدول تبنى على المصالح لا المشاعر، وأن بقاء المغرب في خانة الدول المساندة لفلسطين لم يمنحه أي امتياز في المحافل الدولية. بينما منحته خطوات التطبيع الاعتراف بمغربية صحرائه من طرف قوة عظمى، وشراكات اقتصادية وأمنية واعدة.
من هذا المنظور، فإن المظاهرات المناهضة للتطبيع، رغم رمزيتها، لم تعد قادرة على التأثير في مسار رسمته الدولة بعناية لحماية وحدتها الترابية أولًا، وتعزيز مكانتها الدولية ثانيًا.
تعليقات 0