أزمة صامتة داخل وزارة النقل واللوجستيك
الوزير الاستقلالي عبد الصمد قيوح في قلب عاصفة من الانتقادات بسبب قرارات تنظيمية ومالية أثارت الجدل في الأوساط السياسية

رغم قصر مدة توليه لمنصبه، وجد عبد الصمد قيوح، وزير النقل واللوجستيك، نفسه في قلب عاصفة من الانتقادات، بسبب قرارات وملفات تنظيمية ومالية أثارت الكثير من الجدل في الأوساط الإدارية والسياسية، وأعادت طرح سؤال الحكامة الجيدة والتدبير الرشيد في واحد من أكثر القطاعات حساسية واستراتيجية في البلاد.
إعفاءات بالجملة تعكس أزمة تدبير
ومنذ توليه المسؤولية، أقدم الوزير عبد الصمد قيوح، على سلسلة إعفاءات وصفت بأنها “عشوائية وغير مدروسة”، طالت مسؤولين مركزيين في مناصب حساسة، من ضمنهم مدير الملاحة التجارية ورئيسة قسم الميزانية ورئيسة قسم الشؤون القانونية. وهي الإعفاءات التي ووجهت باستغراب واسع داخل الوزارة، حيث لم تقدم مبررات واضحة للرأي العام، مما اعتبر انحرافا عن مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
مصادر مطلعة من داخل الوزارة أكدت أن هذه التغييرات تمت في غياب مساطر تقييم موضوعية، وأن بعضها يحمل طابعا سياسويا واضحا يستهدف التخلص من مسؤولين محسوبين على المرحلة السابقة، بدل التركيز على بناء إدارة قائمة على الكفاءة والاستحقاق، في الوقت الذي شددت مصادر جيدة الاطلاع، على أن قيوح مطالب اليوم، بالتخلص من “الحرس القديم” داخل الوزارة، المحسوب على “العدالة والتنمية”، والذي تم تعيينه في مناصب مسؤولية مهمة في عهد الوزير الرباح، مقابل تهميش الكفاءات لمجرد أنها لا تنتمي للحزب نفسه، ولديها توجهات سياسية محايدة أو مختلفة.
قطاع النقل المزدوج.. فوضى مستمرة بلا حلول
قطاع النقل المزدوج، الذي يفترض أن يكون أداة لتخفيف الضغط على وسائل النقل العمومية خاصة في المناطق القروية وشبه الحضرية، ما زال يشهد فوضى تنظيمية غير مسبوقة. فرغم توزيع آلاف الرخص في السنوات الماضية (أكثر من 4600)، إلا أن عدد الرخص النشطة لا يتجاوز 1372 فقط، ما يعكس غياب تتبع حقيقي من طرف وزارة النقل واللوجستيك، وعدم تفعيل آليات المراقبة والصرامة في ضبط المخالفين.
وبدلا من تقديم حلول مبتكرة، أو مراجعة شاملة للمنظومة القانونية والتقنية للنقل المزدوج، اكتفى الوزير بإطلاق وعود خطابية فارغة، دون أي خطة تنفيذية ملموسة على المدى القريب.
الترخيص لمراكز الفحص التقني
ويعد مشكل الترخيص لمراكز الفحص التقني، بعد 8 سنوات من الانتظار، في إطار طلب منافسة جديد لم يتم الإعلان عن نتائجه إلى اليوم، رغم فتح الأظرفة، نقطة سوداء في المسار الوزاري القصير للوزير قيوح. فالمستثمرون الذين وضعوا أموالهم أصبحوا على حافة الإفلاس في انتظار النتائج، التي ترفض الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، التابعة لوزارة النقل واللوجستيك، الإفصاح عنها، في الوقت الذي يطالب المستثمرون بفهم وتوضيح ما يقع، في ظل غياب التواصل من طرف الوكالة أو الوزارة، وتبادل أخبار عن إلغاء الصفقة ورفض الوزير قيوح لنتائجها، ولجوء المستثمرين للقضاء من أجل إنصافهم، بعد أن ملوا الصمت والانتظار.
مشاريع كبرى دون أثر واقعي
وأعلن عبد الصمد قيوح عن طموحات كبرى تشمل رفع الطاقة الاستيعابية للمطارات المغربية إلى 80 مليون مسافر في أفق 2030، وإنشاء مطار جديد في منطقة عين الشق النواصر لتعويض مطار محمد الخامس، بالإضافة إلى توسيع الشبكة الطرقية والسككية استعدادا لكأس العالم 2030.
ورغم أن هذه الأهداف تحمل بعدا استراتيجيا مهما، إلا أن مراقبين يعتبرونها مجرد شعارات في غياب دراسات جدوى تقنية وتمويلات مضمونة. بل إن البعض شبّه هذه التصريحات بمحاولات تسويقية سياسية لا تراعي الإكراهات الواقعية ولا تأخذ بعين الاعتبار تراكمات التأخر الهيكلي في البنية التحتية الحالية، في الوقت الذي يعتبر ملاحظون، أن هذه “الإنجازات” التي يتبجح بها الوزير الاستقلالي، ليس لوزارته أي علاقة بها، وتخص مؤسسات تابعة للوزارة مثل المكتب الوطني للمطارات.
قرارات متسرعة في قضايا مهنية
وفي حادثة تعكس غياب ثقافة التدرج المؤسساتي، أمر الوزير قيوح بسحب البطاقة المهنية لسائق حافلة ظهر في فيديو يقود بطريقة متهورة، قبل استكمال الإجراءات التأديبية والإدارية، وهو ما اعتبر تدخلا متسرعا في اختصاصات لجنة المراقبة المهنية، وتجاوزا للضوابط القانونية المعمول بها في القطاع.
هذا السلوك أثار موجة انتقادات في صفوف الهيئات النقابية والحقوقية، التي طالبت باحترام المساطر القانونية ومبدأ المحاكمة العادلة حتى في القضايا التأديبية.
غياب بوصلة إصلاح حقيقي
ويتضح من خلال تتبع قرارات الوزير عبد الصمد قيوح أنه يشتغل بمنطق رد الفعل بدل الاستباق، وبتصور عمودي يقصي التشاور المؤسساتي ويغلب فيه الانطباع الشخصي على التدبير العلمي. فبين إعفاءات دون تقييم، ومشاريع معلنة دون أدوات تنفيذية، وقرارات متسرعة تفتقر للبناء القانوني، يجد قطاع النقل المغربي نفسه أمام تحد جديد عنوانه غياب القيادة الحكيمة والواقعية.
إن قطاع النقل واللوجستيك ليس مجالا للهندسة السياسية أو توزيع المواقع، بل يتطلب كفاءات تقنية، وإدارة رشيدة، وتخطيطا محكما يؤسس لمغرب متصل، متكامل، ومهيأ لتحولات الاقتصاد العالمي.
وفي ظل هذه الوضعية، ترتفع الأصوات المطالبة بإعادة تقييم الأداء الوزاري لقيوح، وفتح نقاش وطني حول مستقبل هذا القطاع الحيوي، خاصة أننا على بعد سنوات قليلة فقط عن رهان تنظيم مونديال 2030، ولم يعد مسموحا بأي خطأ قد يكلف المغرب غاليا على مستوى سمعته على الصعيد الدولي.
تعليقات 0