تبون وشنقريحة يقودان دبلوماسية بلا بوصلة
الأزمات الخارجية للجزائر.. ارتباك داخلي يترجم إلى تصعيد دبلوماسي

رغم التحديات الداخلية العميقة التي تواجه الجزائر، من أزمة الشرعية السياسية وتردي أوضاع حقوق الإنسان إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فإن مسار دبلوماسيتها خلال العقد الأخير يعكس صورة دولة لا تكاد تخرج من أزمة حتى تجد نفسها غارقة في أخرى، بل وأحيانا في أزمات متزامنة.
غياب البوصلة.. وسياسة ردود الأفعال
المراقبون للشأن الجزائري يجمعون على أن هذه الأزمات ليست معزولة، بل ترتبط بخلل هيكلي في إيقاع النظام السياسي المرتبط بقصر المرادية، حيث تغيب الاستراتيجية الواضحة لتحل محلها قرارات متقلبة يهيمن عليها مزاج الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة. وفي توصيف بالغ الدقة، كان الملك محمد السادس قد وصف الجزائر بأنها تعيش في “عالم موازٍ”، ما يحيل إلى استمرارها في عقلية الحرب الباردة رغم تغير السياق الدولي وسقوط جدار برلين.
أرقام تكشف الاختلالات المؤسساتية
و بلغة الأرقام، فمنذ وصول تبون إلى السلطة في دجنبر 2019، شهدت الجزائر ما لا يقل عن سبعة تعديلات وزارية حتى 2023، بمعدل تعديل كل سبعة إلى ثمانية أشهر. وفي عام 2025 وحده، تغيرت قيادة ثلاثة من أهم الأجهزة الأمنية، المديرية المركزية لأمن الجيش، المديرية العامة للأمن الداخلي، والمديرية العامة للأمن الخارجي، وكل ذلك خلال ثلاثة أسابيع فقط، في مؤشر صارخ على غياب الاستقرار المؤسساتي.
دبلوماسية هجومية دون نتائج ملموسة
وعلى الصعيد الخارجي، يتجلى هذا الارتباك في سياسة هجومية غير محسوبة، تتنقل بين افتعال الأزمات والانسحاب منها دون تحقيق أي مكاسب. النموذج الأبرز لذلك هو الأزمة مع إسبانيا وفرنسا، حيث أقدمت الجزائر على سحب سفرائها ثم إعادتهم دون أن تغير مدريد وباريس من مواقفهما المبدئية الداعمة لمغربية الصحراء.
الإمارات.. عدو وهمي جديد في خطاب الجزائر
وتكشف الأزمة الأخيرة مع الإمارات عن نمط متكرر في السياسة الجزائرية، تكمن في صناعة أعداء خارجيين لصرف الأنظار عن الإخفاقات الداخلية. فرغم محاولة الجزائر تبرير هجومها بدعوى الدفاع عن الأمازيغية عقب مقابلة المؤرخ محمد بلغيث مع قناة “سكاي نيوز عربية”، فإن المراقبين يشيرون إلى أسباب أعمق. فبحسب معهد “اتجاهات جيوسياسية”، ترتبط هذه الهجمة بتقارير حول لقاءات جمعت مسؤولين إماراتيين مع ممثلين عن استقلال القبايل في لندن برعاية بريطانية. كما يعزى التصعيد إلى مخاوف الجزائر من الاجتماع الثلاثي المغربي-الموريتاني-الإماراتي في أبوظبي، ومن مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري-المغربي، الذي يعد أضخم مشروع طاقة إفريقي وبدعم إماراتي واضح، وهو ما تعتبره الجزائر تهديدا مباشرا لمصالحها.
خطاب الانتصارات الوهمية.. لتغطية الأزمة
وفي ظل كل ذلك، يستمر النظام الجزائري في اعتماد خطاب الانتصارات المزعومة، ونشر روايات يصعب حتى على الداخل الجزائري تصديقها. هذا الخطاب، الذي يبدو أنه موجه أساسا للاستهلاك المحلي، يعكس حالة من الإنكار السياسي التي تحول دون معالجة الأزمة الهيكلية التي تعيشها البلاد.
تعليقات 0