لي معجبو حال يخوي المدينة؟
لي معجبو حال يخوي المدينة؟ لا يا سيدتي، من لا يعجبه النقد هو من يجب أن يغادر

خرجت علينا مستشارة جماعية بمدينة أكادير في مشهد عبثي، بتصريح أقل ما يمكن أن يقال عنه انه وقح و متعجرف، و غير مسؤول بالمرة، حين خاطبت معارضيها ب “لي ما عجبو الحال يخوي مدينة أكادير، و يمشي لمدينة أخرى، أو نجمعو ليه الفلوس يمشي لبلاد أخرى إلا بغا يمشي ليها.”
هذا التصريح ليس مجرد سقطة لفظية. إنه تجل صريح لعقلية الإقصاء والاستعلاء التي باتت تحكم بعض المسؤولين المحليين، والذين نسوا – أو بالأحرى تناسوا – أنهم لم ينتخبوا ليصدروا أحكاما بالنفي و التهجير على المواطنين والمعارضين، بل ليخدموهم، ويصغوا لهم، ويشتغلوا من أجل تحسين أوضاعهم.
أي نوع من المسؤولين هذا الذي يتوجه للمختلفين معه بلغة ‘سير فحالك ‘؟ هل المدينة والوطن أصبحا ملكا خاصا لهؤلاء حتى يقرروا من يبقى فيهما ومن يرحل؟ هل بلغ الغرور بهؤلاء حدا جعلهم يعتقدون أن النقد الشعبي يرد عليه بالتهكم، بدل الاعتراف بالفشل؟
لنكن واضحين: الذي لا يعجبه الحال في أكادير وفي المغرب، هو المواطن المغلوب على أمره، الذي تعب من الفوضى ومن رداءة الخدمات العمومية ومن غياب الرؤية ومن ضبابية المستقبل ومن بيع الأوهام والوعود الانتخابية. من لا يعجبه الحال هو ذاك الشاب العاطل عن العمل والعاطل عن الحياة رغم كفاءته والذي يحلم فقط بمغادرة هذا الوطن، هي تلك المرأة التي تشتغل في الحقول في أسوء الظروف التي لا تراعي انسانيتها، هو ذاك المتقاعد الذي ينتظر معاشا لا يسمن ولا يغني من جوع في مقابل عشرات السنين التي قضاها في العمل الشاق و المضني.
هؤلاء يبحثون عن مسؤولين يفهمون معنى “التمثيلية”، وعن مستشارين يعتبرون أنفسهم خداما لهم لا أسيادا فوقهم.
أن تقول مستشارة جماعية وبكل استخفاف إن من لا يعجبه الحال عليه أن يرحل، هو قمة في الغطرسة السياسية، وتعبير عن احتقار عميق للرأي العام، وتنكر صارخ لمبادئ الديمقراطية. ومثل هذا الخطاب لا يجب أن يمر مرور الكرام، بل يجب أن يدان بكل الوسائل القانونية والأخلاقية والسياسية.
اننا اليوم أصبحنا أمام ذهنية تسييرية فاسدة، تعتبر النقد تهديدا، والمعارضة خيانة، والمواطن/المعارض مجرد تابع يجب أن يصفق ويرضى بما يفعل به وله أو يرحل بعيدا.
رسالتنا للمستشارة وأمثالها ممن يعتنقون نفس المنطق الاقصائي: نحن من نبقى في الوطن، رغم القهر ورغم الإقصاء ورغم الرداءة. نحن من نبني، من نناضل، من ننتقد، من نحلم. أما أنتم، فإن لم يعجبكم النقد، ولم تحتملوا صوته، فربما عليكم أن تجهزوا حقائبكم للرحيل والغروب عن وجوهنا.
بقلم: هشام بنوشن (باحث في العلوم السياسية)
تعليقات 0