بوجلود طقس أمازيغي عريق وجزء من التراث المشترك للمغاربة

في كل موسم من مواسم الاحتفالات الأمازيغية، تخرج علينا أصوات من بعض التيارات السلفية والمستعربة، تهاجم بعنف كل ما لا ينسجم مع نظرتها الضيقة للهوية والدين. مهرجان بوجلود، هذا الطقس المغربي الأمازيغي العريق الذي يحتفى به في مناطق مختلفة بعد عيد الأضحى، يتحول في خطابات هؤلاء إلى رمز للبدعة والانحراف والوثنية، وكأن الثقافة الشعبية لم تعد جزءا من تراثنا المشترك، بل عبئا يجب التخلص منه.
بوجلود ليس طقسا دينيا ولا شعيرة روحية، بل هو احتفال مجتمعي ساخر، يمزج بين التنكر والموسيقى والرقص، ويعتبر متنفسا جماعيا بعد موسم طويل من العمل والعبادة. ورغم رمزيته الثقافية وجذوره العريقة التي تعود إلى قرون خلت، إلا أن هذا الطقس يحاكم اليوم بمنطق لا يعرف التاريخ ولا يعترف بالاختلاف، بل يختزل كل شيء في معايير الحلال والحرام، كما لو أن المغرب لم يكن يوما ملتقى للحضارات والثقافات.
نفس العقلية المتشددة تطال طقوسا أخرى مثل رأس السنة الأمازيغية، الذي لا يزال يهاجم من طرف البعض بدعوى أنه تقويم وثني لا يليق بالمغاربة المسلمين، رغم أنه يمثل ذاكرة فلاحية مرتبطة بالأرض والزرع والمواسم، ويجسّد حب الإنسان لبيئته وتاريخه. كيف يمكن أن نبني وطنا متصالحا مع ذاته ونحن نحارب ما يعبّر عن عمق هذه الذات؟
إن الثقافة الأمازيغية ليست خطرا على الإسلام، بل هي جزء لا يتجزأ من الشخصية المغربية المسلمة والمتنوعة، ومثل هذه الطقوس ليست أعمالا شيطانية كما يروّج لها بعض الدعاة، بل مظاهر طبيعية للتعبير الشعبي، ومناسبات للاحتفال والفرح والالتقاء، وهي تحمل في طياتها قيما إنسانية واجتماعية عميقة يجب أن نحتفي بها لا أن نحاربها.
ما يحتاجه المغرب اليوم ليس صوتا يحرّم كل ما لا يفهمه، بل وعيا جماعيا يعيد الاعتبار لتنوعه الحضاري، ويحصِّن هويته من أي اختزال أو تطرف. فالهويات لا تبنى بالإلغاء، بل بالاعتراف، والذاكرة لا تمحى بالقوة، بل تحتضن بالفهم والحب. ومن حق الأمازيغ، كما كل مكونات الوطن، أن يحتفلوا بثقافتهم دون خوف، وأن يظهروا جمال طقوسهم للعالم دون شعور بالدونية أو التبرير.
المعركة الحقيقية ليست بين الدين والثقافة، بل بين فكر يقبل بالاختلاف وآخر لا يرى في هذا الاختلاف سوى تهديد. والمغرب، إن أراد أن يكون وفيا لروحه، عليه أن يختار المعسكر الأول.
بقلم: اللورد يتمجد
تعليقات 0