بالصور.. “نيو موتورز” بين وهم الصناعة المحلية وفضيحة التقليد الصيني
من مشروع وطني واعد إلى جدل حول الأصالة والمصداقية

خلال الدورة الثالثة لليوم الوطني للصناعة الذي أقيم في الرباط، أعلنت شركة “نيو موتورز” المغربية عن إطلاق ما وصفته بـ “أول سيارة كهربائية مغربية مئة بالمئة”، في لحظة اعتبرت تاريخية بالنسبة للصناعة الوطنية، حيث روج للمشروع على أنه إنجاز مغربي غير مسبوق يعزز مكانة المملكة كقوة إقليمية في قطاع السيارات.
لكن بعد ساعات من الاحتفاء الإعلامي، بدأت حقائق صادمة تتكشف، بعدما تبين أن السيارة المعلن عنها مطابقة تماما لسيارة صينية تباع في موقع “علي بابا” تحت اسم مختلف وبسعر لا يتجاوز 55 ألف درهم مغربي.
الحلم المغربي.. والتفاصيل المقلقة
وفي كلمته الرسمية، أعلن المدير التنفيذي لشركة “نيو موتورز” أن السيارة الجديدة كهربائية بالكامل، تشحن خلال ساعتين وتقطع مسافة 150 كيلومترا في الشحنة الواحدة، مؤكدا أن سعرها لن يتجاوز 100 ألف درهم مغربي، ما جعلها تبدو خيارا مثاليا للمستهلك المغربي الباحث عن بديل بيئي واقتصادي في آن واحد.
وقدم المشروع على أنه ثمرة استثمار مغربي خالص يهدف إلى تعزيز حضور الصناعة الوطنية في مجال المركبات الكهربائية، مستفيدا من تغطية إعلامية واسعة ومن زخم رسمي بمناسبة اليوم الوطني للصناعة.
غير أن فرحة هذا “الإنجاز الصناعي” لم تدم طويلا، إذ سرعان ما بدأ نشطاء وخبراء في الصناعة الميكانيكية بمقارنة صور سيارة “نيو موتورز” مع سيارات صينية معروضة على منصات التجارة الإلكترونية، ليكتشفوا تطابقا شبه كامل بين التصميمين الخارجيين، وصولا إلى الأبعاد، والمصابيح، وشكل الزجاج الأمامي، وحتى المقصورة الداخلية.
تطابق مدهش مع سيارة صينية
الصور التي تم تحليلها بدقة أظهرت أن السيارة الصينية المعروضة على موقع Alibaba.com تحت اسم “Jinri Yangguang Electric Mini Car” تشبه إلى حد التطابق سيارة “نيو موتورز” التي تم الكشف عنها في الرباط. فالشكل العام للهيكل، ومواقع الأضواء الأمامية، وتصميم الشبكة، وحتى الخطوط الجانبية الدقيقة للسيارة تكاد تكون متطابقة، والمضحك حتى لون لوحة الترقيم وشكلها متطابق وتم تغيير والاسم فقط وإضافة الراية المغربية، ما منح السيارة طابعا محليا شكليا دون أن يمس جوهرها الصناعي.
السيارة الصينية من موقع علي بابا الصيني : اضغط هنا
أما الاختلافات، فهي شكلية محدودة جدا، إذ اقتصر الأمر على تبديل الشعار الصيني بآخر يحمل اسم “NEO”، وإجراء تعديلات طفيفة على الواجهة الأمامية، خاصة في الشبكة، لإخفاء الأصل الحقيقي للتصميم.
ويعرض النموذج الصيني ذاته على موقع “علي بابا” بسعر يقارب 55 ألف درهم مغربي فقط، أي ما يعادل نصف السعر الذي أعلنت عنه الشركة المغربية خلال مؤتمرها الصحفي. وهذا التطابق المذهل دفع العديد من الخبراء إلى التساؤل حول مدى استقلالية التصميم المغربي المزعوم، وحول ما إذا كانت السيارة في الأصل منتجا صينيا جاهزا جرى إعادة تسويقه بعلامة جديدة.
الجدل حول الأصل والتصميم
وأثار هذا التطابق تساؤلات عميقة داخل الوسط الصناعي والإعلامي حول مدى محلية تصنيع السيارة، وما إذا كانت الشركة قد اكتفت باستيراد نموذج جاهز ثم أعادت تسويقه بعلامة مغربية، أم أنها فعلا طورت نسخة محلية بناء على نموذج أساسي مستورد.
وحتى الآن، لم تقدم “نيو موتورز” توضيحات تقنية دقيقة حول مصدر التصميم، أو مراحل التصنيع التي جرت داخل المغرب، واكتفت بتأكيد أنها تعمل على رفع نسبة المكون المحلي تدريجيا لتصل إلى 55% خلال الأشهر المقبلة.
علاقة الوزير المهدي بنسعيد
ويأتي هذا الجدل في ظل استمرار الربط بين اسم الوزير مهدي بنسعيد ومشروع “نيو موتورز”، خاصة وأنه كان ضمن مؤسسي الشركة قبل انسحاب شركته العائلية Business of ILI من رأسمالها أواخر سنة 2023، وفق ما أكدته الإعلانات المنشورة في الجريدة الرسمية.
وفي وقت سابق، كشف تحقيق صحفي أن وزير الصناعة رياض مزور، الذي كان يروج للعلامة، حرص على عدم الكشف عن أسماء المستثمرين الحقيقيين، ليتبين لاحقا أن زميله في الحكومة مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، كان أحد الشركاء الأساسيين في المشروع إلى جانب رجل الأعمال نسيم بلخياط.
ورغم أن انسحاب بنسعيد من رأسمال الشركة موثق قانونيا، إلا أن اسمه ظل مرتبطا بالمشروع نظرا لدوره في مراحله الأولى كمؤسس ومستثمر، وهو ما جعل النقاش العام يتركز حول مدى استمرار تأثير هذا الارتباط الرمزي على صورة الشركة ومسارها الحالي.
ويرى مراقبون أن هذا الامتداد التاريخي في علاقة الوزير بالمشروع ساهم في تغذية الجدل الدائر حول شفافية الشركة، خاصة بعد بروز معطيات جديدة تتعلق بأصل السيارة وتصميمها.
غموض متزايد وغياب للشفافية
ويخشى مهتمون بالشأن الصناعي أن يؤدي هذا الغموض إلى الإضرار بصورة الصناعة المغربية الناشئة، خاصة أن “نيو موتورز” قدمت في الإعلام الوطني والدولي على أنها أول علامة مغربية في مجال السيارات الكهربائية.
ومن جانب آخر، يدعو عدد من المراقبين إلى ضرورة اعتماد معايير شفافة وواضحة في تعريف “المنتوج الوطني”، وتحديد نسب التصنيع المحلي بدقة، تفاديا لأي التباس أو تضليل للرأي العام.
عملية تجميلٍ تسويقية
وكان إطلاق السيارة الكهربائية من “نيو موتورز” يفترض أن يكون لحظة فخر وطني تترجم توجه المغرب نحو الطاقة النظيفة والابتكار الصناعي، لكنه تحول إلى قضية رأي عام تشكك في مصداقية المشروع وفي حقيقة “الصناعة المحلية”. فبين “الإنجاز المعلن” و”النسخة الصينية المكشوفة”، يجد المغاربة أنفسهم أمام سؤال جوهري، هل نحن أمام مشروع وطني حقيقي، أم أمام عملية تجميلٍ تسويقية لمنتج مستورد؟
بين حلم الصناعة المحلية ومأزق الشفافية
وتكشف قضية “نيو موتورز” عن تحديات عميقة تواجه مفهوم “الصناعة الوطنية” في المغرب، وعن الحاجة إلى مراجعة دقيقة لآليات المراقبة والتصديق الصناعي لضمان المصداقية أمام المواطن والمستثمر على حد سواء.
ورغم الضبابية التي تكتنف الملف، فإن ما هو مؤكد أن الجدل الدائر اليوم لا يتعلق فقط بسيارة كهربائية، بل بثقة مجتمع بأكمله في وعود الصناعة المحلية، وفي مصداقية الشعارات التي ترفع باسم “صنع في المغرب”.


تعليقات 0